العدد 5684
الثلاثاء 07 مايو 2024
banner
د. محمود الأنصاري
د. محمود  الأنصاري
وسائل التواصل الاجتماعي: بين نقاط التواصل وخيوط العداوة
الجمعة 26 أبريل 2024

في ظل التطور التكنولوجي الهائل الذي شهده العالم في السنوات الأخيرة، أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي جزءًا لا يتجزأ من حياة الأفراد في المجتمعات المختلفة؛ فهي أتاحت فرصًا واسعة للتواصل، والتفاعل بين الناس، كما ساهمت في نشر المعلومات، والأفكار بسرعة كبيرة، ومع ذلك، فإن سوء استخدامها أوجد مخاطر لا يمكن إغفالها، ومن أهم هذه المخاطر نشر العداوة، والبغضاء، والفتن بين أفراد المجتمع الواحد، مما يهدد السلم الاجتماعي، والوحدة الوطنية.

وللأسف الشديد، تحولت منصات التواصل الاجتماعي في الآونة الأخيرة إلى ساحة مفتوحة للتعبير عن المشاعر السلبية، والاساءات اللفظية، متجاوزة الخطوط الحمراء دون رادع. وفي الأيام الماضية، شهدنا كيف تم استغلال هذه الوسائل للانتقاص من فئات، وشرائح مجتمعية معينة بألفاظ جارحة، وأوصاف غير لائقة، مما أدى إلى ردود فعل عنيفة من الجانب الآخر بالشتم، والسب، والسخرية لبعض العوائل الكريمة، ويُعَد هذا النوع من التفاعلات السلبية بمثابة جرس إنذار خطير على المجتمع، إذ يؤدي إلى نشر العداوة، والفرقة، والفتن التي تهدد أركان المجتمع، وتقوض لحمته الوطنية.

ومن هنا جاء دور الشريعة الإسلامية لمواجهة هذه الظاهرة السلبية من خلال تعزيز قيم المحبة، والتسامح بين الناس، فحث المؤمنين على التصرف بالرفق، واللين مع الآخرين، حتى مع الجاهلين، قال تعالى: (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا) [الفرقان:63]. كما حذرت من السخرية بالآخرين، والمساس بكرامتهم، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ...) [الحجرات:11]. ونهت عن نقل الأخبار، والمعلومات دون تحري الدقة، والصدق، وحذرت من الكلام بغير علم، قال تعالى: (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ...) [الإسراء:36]. وقال النبي صلى الله عليه وسلم:( كَفَى ‌بِالْمَرْءِ ‌كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ). وبالتالي، فإن التزام المسلمين بتوجيهات الشريعة حول التعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي سيساهم بشكل كبير في الحد من انتشار العداوات، والبغضاء بين أفراد المجتمع.
ولذا، ينبغي على الدولة من خلال السلطتين التشريعية، والتنفيذية التدخل بحزم؛ لإقرار قوانين صارمة، ورادعة تجاه من يتجاوز حدوده بسلوكياته السلبية على وسائل التواصل الاجتماعي؛ فمن الأهمية بمكان أن يدرك الجميع أن هذه الوسائل ليست ساحات مفتوحة للاعتداء والتجريح، بل هي أدوات للتواصل البناء وتبادل الآراء باحترام. لذلك، ينبغي توعية المجتمع بخطورة التصرفات السلبية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وتوضيح العواقب الوخيمة لمن يسيء استخدامها، ويجب أن يكون التفاعل على هذه الوسائل مبنيًا على المسؤولية، والاحترام المتبادل بين أفراد، ومكونات المجتمع الواحد.

هذا الموضوع من مدونات القراء
ترحب "البلاد" بمساهماتكم البناءة، بما في ذلك المقالات والتقارير وغيرها من المواد الصحفية للمشاركة تواصل معنا على: [email protected]
صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية