العدد 2714
الأحد 20 مارس 2016
banner
سر العراق أحمد جمعة
أحمد جمعة
الأحد 20 مارس 2016

عائد يا عراق العرب، طال الوقت أو قصر، فكم مرة في التاريخ وعبر القرون والحقب والأزمنة الغابرة، غاب فيها العراق عن محيطه العربي والحضاري ولكنه عاد بشدة وعزيمة رجال العراق الذين ما تخاذلوا ولا هدأ لهم بال أبداً، بالأمس تذكرت رجالات العراق الشوامخ الذين لقنوا العدو الفارسي عبر التاريخ ما لم يلقنه الرومان والفرنجة، وتذكرت كلمة عراق عندما ينطقها العربي بالأمس وتذكرت كلمة عراق بلكنتها الفارسية اليوم من غير ان تغير هذه اللكنة جوهر العراق ومضمون العراق وسر العراق الذي لا يعرفه من لا ينتمي للعراق، هؤلاء الذين يتولون الآن شأن العراق من عبادي ومالكي دمر، وبضعة خانوا سربهم السني وانضموا للفرس لمصلحة آنية، كل ذلك لن يبقي العراق في قبضة إيران لسبب طبيعي هو أن العراق أكبر من قبضة إيران، وإن اعتمدت ايران على بضعة خونة ساعدهم الأميركان في غفلة من الزمن “الودر”، فإن الوقت والمستقبل والقادم سوف يكشف عن شروق شمس العراق العربية الحضارية التي لا يستطيع غربال ايران إخفاءها.
أكتب اليوم هذه السطور وكل المؤشرات والدلائل والومضات وحتى الرموز في الآفاق تشير لقرب عودة العراق وشروق شمس الحرية على وجهه الحضاري الذي شوهته الأقنعة الطائفية والمذهبية والولائية، فإشراقة هذا الوطن العظيم قادمة لا محالة مادام شعب العراق الأبي حيا ورأسه لم تنكسه الدبابات والمجازر، وكلما استمعت للمناضل العربي شديد البأس علي حاتم الديلمي أيقنت أن رجال العراق الأمجاد قريبون من الغد القادم.
“أكادُ أسمعُ النخيلَ يشربُ المطر.. وأسمعُ القرى تئنّ، والمهاجرين.. يصارعون بالمجاذيفِ والقلوع.. عواصفَ الخليجِ والرعود، منشدين مطر.. مطر .. مطر.
وفي العراقِ جوعٌ.. وينثرُ الغلال فيه موسم الحصاد.. لتشبعَ الغربانُ والجراد.. وتطحن الشوان والحجر رحىً تدورُ في الحقولِ… حولها بشر” بدر شاكر السياب.
مهما دمر العراق ونهب؟ مهما جرت مجازر الموت اليومية وتمزيق أوصال البلد الذي كان من أقوى الدول العربية اقتصاداً وقوة عسكرية واستقراراً؟
مهما فعلت أميركا وإيران وميلشيات الحشد الطائفي البغيضة في العراق؟ مهما فعلوا أسمع صوت العراق العربي الحضاري عائدا قريباً، اشتدي يا أزمة تنفرجي هذا هو حال العراق الآن، فقد بلغت الأزمة ذروتها وفشلت كل المنشطات والحقن والعلاجات والترقيع لأن جسد العراق بحاجة لعملية جراحية وهي في الأفق.
لماذا اقول هذا الكلام في هذا الوقت بالذات؟ لأن الأمور هناك وصلت الى حد الجنون فقد تمت مصادرة الحريات الشخصية وفرض على العراق ان يرتدي الحجاب بالقوة، وفرض عليه إغلاق المحلات والمؤسسات الليبرالية كما فرض على المتاجر والمحلات التجارية تغيير واجهاتها، وأصبح ما يسمى بالحشد الشعبي وما هو الا الجيش الايراني الطائفي مسيطرا، انا اتحدث هنا عن العراق قبل ثلاثين وأربعين سنة مضت، هذه الصورة كانت للعراق منذ قرون وكانت سمعته الحضارية تغطي الآفاق من حضارات قديمة الى ابداعات عصرية، اذ كانت تطبع وتوزع به مئات المطبوعات والترجمات وتقام المهرجانات، منها المسرحية والسينمائية والغنائية بالإضافة الى المؤتمرات العلمية والاقتصادية وغيرها من مظاهر النشاط الحضاري، والآن ماذا تبقى من عراق أميركا وإيران سوى هذه الفوضى والحروب والصراعات والخلافات ومصادرة الحريات الخاصة حتى بلغ الأمر منع المرأة من السير في الشوارع ببعض المحافظات.
أميركا وحدها ولا سواها تتحمل المسؤولية لما وصل إليه حال العراق، وأميركا وحدها يمكنها إن ارادت أن تعيد بعضا من وجه العراق الحضاري الى الواجهة لو ضغطت على أولادها هناك، لقد تم تسليم هذا البلد الكبير الى مجموعات صغيرة غير معروفة على الصعيد الإنساني والحضاري وغير مهيئة لإدارة بلد بحجم العراق.
هذا هو عراق اليوم الذي ارادت أميركا تحريره وكذبت كعادتها.
هذا هو العراق الذي لم  يعد يحكمه العراقيون الشرفاء.
هذا هو العراق الذي  كنا نعرف أنه العراق.
لكنه بإذن الله وعزيمة المناضلين ورجالات الشموخ والرجولة والشرف، العراق عائد ليلقي المشوهين والخونة وأحفاد كسرى في مزبلة التاريخ.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .