العدد 5696
الأحد 19 مايو 2024
banner
احمد عبدالله الحسين
احمد عبدالله الحسين
الأندلس.. وأثر العرب الزراعي والصناعي والتجاري
الأحد 30 أبريل 2023

لمن يبحث في تاريخ شبه جزيره إيبرية، وما كان من أثر للدولة الأندلسية العربية الاسلامية، لا بد أن يستوقفه طبيعة الاقتصاد الأندلسي سواء في الزراعة، او الصناعة والتجارة، وبهذا المقال ذكر لبعض الامثلة التي نبدأها بالزراعه ويليها الصناعة والتجارة.

في الزراعة كان القمح هو المحصول الرئيسي، وأصل منبته كان شرق أوسطي وانتقل بعدها الى الأمم الأخرى عبر التاريخ ومنها إيبرية حيث نقله العرب اليها. وكذلك الزيتون يأتي في المرتبة الثانية الذي جلبه الكنعانيون(الفنيقيون) من الشام الى إيبريه فترة ما قبل الميلاد، وتوسعت زراعته على يد الرومان والعرب بعدها، والأراضي المحيطة بمدينة جيان التي تقع جنوب إسبانيا حاليا اشتهرت بزراعته، والتي لا تزال الى اليوم تعيش على الزيتون مصدرا رئيسيا لاقتصادها.

وأدخل العرب في الأندلس مزروعات جديدة كالحمضيات، واللوز، والتين، والرمان، والموز، والزعفران، والقطن، والكتان، وقصب السكر، والمشمش، والدرّاق، حتى أصبحت بلاد الاندلس بستان واحد متصل كثيرة المبنى والثمار لا يحتاج المسافر ان يحمل كثير زاد او ماء. وكان الانتاج يُصدر الى الشمال الأفريقي ومنه الى مصر وغيرها من البلاد الأوربية المحاذية.

استفاد الأندلسيون في زراعتهم من القنوات التي بناها الرومان في القرن الاول الميلادي، لكنهم زادوا عليها وأصلحوا القديم منها وشقوا قنوات جديدة. أتقن الأندلسيون التعامل بفنون السقاية، وجلب الماء من مسافات بعيده، كما استخدموا النواعير وكانت من النوع الذي تربط الى إطار قلال من نوع لا يزال موجوداً الى الان في بعض البلدان.

غرناطة وبلنسية تحولت الى اثنتين من اخصب بقاع أوروبا، وبقيتا كذلك حتى سقوطهما بيد الإفرنجة. حينها تعرض النشاط الزراعي الى كارثة نتيجة الإهمال استمرت حتى مطلع القرن التاسع عشر، عندها تجدّد الاهتمام به اعتمادا على الكتب الزراعية التي وضعها الأندلسيون.
هذه اشارة تاريخية مختصره لما فعله العرب زراعيا، وهذا الإرث وما تم تطويره لاحقا جعل من إسبانيا اليوم من بين اكثر الدول انتاجا للزيتون والدرّاق، وهي اليوم أكبر مصدر للزعفران.

أما الصناعة فقد وفرَّ تطور زراعة القمح والقطن والكتان والتوت، وازدياد الاعتناء بتربية الماشية المواد الأولية للأندلس، وهذا ساعد بقيام صناعات خفيفة فِيهَا. مثلا؛ أُنشئت وتطورت في الأندلس صناعة المنسوجات والسكر والخزف والسجاد، وشمل معها العطور والمواد الكيماوية المختلفة والاصباغ والزجاج. تاريخيا عبدالرحمن الداخل انشأ دارا خاصة مميزة حينها للطراز، حيث تُصنع فيها الملابس التي كانت تصدر الى بلاد أُخرى. وأمتد هذا لتصبح غرناطة فيها اهم مراكز تربية دودة القزّ وصناعة المنسوجات وملابس الحرير.

وأحسن الأندلسيون استغلال عدد كبير من المعادن المحلية مثل الحديد والزئبق والنحاس، فكان هذا عاملا مهما في تطوير صناعة الأسلحة والمعدات العسكرية الاخرى. كذلك ذاع صيت طليطلة كمركز لصناعة الأسنة والرماح والسيوف، ومع تقدم الصناعة في القرن التاسع الميلادي تمكّن الأندلسيون من انتاج الزجاج المعروف بالظرابي، والزجاج الشفاف والورق، ولمع اسم مدينة شاطبة مركزا مهما لإنتاج الورق. اما الصناعات الأثقل فشملت السفن بكل أنواعها السفري والتجاري والحربي استجابة لمتطلبات الدفاع والتجارة والتنقل. تذكر وثائق تاريخية ان عدد السفن الحربية بلغ عام 849م الى 300 سفينة بعضها استخدم لحراسة الشواطئ الأندلسية.

والحديث عن التجارة في الأندلس هو لوجود فائض في المنتوجات الزراعية والصناعية فيها، وهذا أدى الى تشجيع تجارة نشطة عادت على اهل الأندلس بالرخاء، ومنحتها القوة التي مكنتها من التصدي للاخطار المحيطة بها حتى بعد انهيار الدولة الأموية. ومنذ نشوء الإمارة القرطبية على يد عبدالرحمن الداخل تكاملت القدرات الإدارية اللازمة لبدء عملية بناء الاقتصاد الأندلسي، فاعتمد الناس في بداية الامر الأوزان والمقاييس ذات الأصل الروماني، وسك عبدالرحمن الداخل الدينار القرطبي فأصبح عملة مقبولة في كل الأندلس بل في كثير من دول اوروبا.

التجارة كانت تشمل التصدير الى موانئ الدول المختلفة المنسوجات، والوشي والبسط والزجاج والزعفران والورق والجلود وزيت الزيتون والأسلحة والزئبق والعنبر والعبيد الصقالبة، وكلُّ هذا كان له سواق رائجة. واستوردت الأندلس عدداً كبيرا من المصنوعات والمواد الأولية والفستق والجلود والزنوج الافارقه. وظل الميزان التجاري لصالحها في اغلب الأوقات. الذهب كان ينقل الى قرطبة وإشبيلية وبلنسية من ضفاف انهار غرب افريقيا حيث يستخرج هناك، وتجارة العبيد الصقالبة الذين هم من اسرى الحروب، فقد أتوا من مناطق وسط أوروبا ودوّل البلقان حاليا، وكانوا ينقلون كعبيد الى الأندلس، ومنها الى المغرب ومصر والشام وباقي الدول. التجار اليهود والسماسرة الصقالبة كان فعلهم قبل دخول العبيد الأندلس يُخْصُوهم لاستيفاء أثمان اكبر، وأصبحت برشلونة وبمبلونة من المدن التي مارست هذه التجارة وكانتا لهما شأن فيها.

هذا تاريخ مضى نَقشَ احافيره عبر الزمن، والى اليوم هو طري في ذاكرة الاجيال، فيه عبرة ودرس، ونشدان نهضة تعود، وتملئ الدنيا سلام وقيم وتفوق اقتصادي وإنساني.

هذا الموضوع من مدونات القراء
ترحب "البلاد" بمساهماتكم البناءة، بما في ذلك المقالات والتقارير وغيرها من المواد الصحفية للمشاركة تواصل معنا على: [email protected]
صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية