العدد 5696
الأحد 19 مايو 2024
banner
د. عدنان محمد القاضي
د. عدنان محمد القاضي
الاستثمارُ في الموهوبين والمبدعين ضَرورة اجتماعيّة وحَتميّة اقتصاديّة
الخميس 13 أكتوبر 2022

يعدُّ الموهوبون والمبدعون في أيِّ مجتمع أرزاقًا ونِعمًا يُحْمدُ الله سبحانه وتعالى عليها كغيرها من مصادر الدخل الوطني لا تقلّ قيمة عنْ خيرات مشتقات النفط وإرادات السياحة وأرباح المشركات السلعيّة؛ وكغيرها منْ مصادر الأمن والاستقرار لا تقلّ أهميّة عنِ رحابة الترابط الأسري والتماسك الشَّعبي والتفاهُم الاجتماعي.
إنَّ رعاية الموهوبين والمبدعين من أبناء الوطن ليس بِدعة مُستحدثة، وإنّما لها أصل وتاريخ متجذِّر منذ بدأ الخليقة وخوض صنوف البشر معترك الحياة بتعقيداتها وظروفها الصعبة. ولا يُمكننا الآن قبول سماعِ بعض الخرافات أو المعتقدات غير الصحيحة أنْ تقدحَ في وعيِنا تجاه هذه الثروة المُتجددة الأصيلةُ المنبع، فمنهم من يرمي جزافًا بأنَّ:
• كل طفل يولد موهوبًا ومبدعًا ولا تُشكِّل البيئة مساحةً في قدراته واستعداداته.
• تصنيف الموهوب والمبدع فيه تحيُّز ويُعتبر فعلًا لا ديمقراطيًّا.
• التميُّز والتفوق والإبداع والموهبة والعبقريّة كلّها تحمل نفس المعنى.
• الموهوب والمبدع لا يحتاج إلى رعاية خاصة بل يستطيع أنْ يطوِّر من نفسه بنفسه من دون مساعدة الآخرين أو إرشادهم.
• الكلُّ سيستفيد منْ برامج الموهوبين والمبدعين فلا داعي لتجميعهم أو عزلهم أو أقرانهم عندما تُقدَّم لها برامج إثرائيّة إضافيّة.
وعليه، فإنَّ المنهجيّة الواعية بعيدة المَدى والتكامل في الأدوارِ بينَ الأطراف المعنيّة بالموهوبين والمبدعين بدءً من الأسرة؛ رياض الأطفال؛ المدرسة؛ الجامعة؛ المراكز الشبابيّة؛ والمؤسسات الحكوميّة والأهليّة المعنيّة بهذه الفئة مطلبٌ تفرضه القوانين والمراسيم العُليا، وتؤكِّده الخطط التنفيذيّة في أرض الواقع، والتي لا تخضع للأمزجةِ والأهواء الشخصيّة أو تغيُّر الأولويّات في المجتمع.
ولا تقف رعاية الموهوبين والمبدعين بعد اكتشافهم في إطارها المدرسي بل تتجاوزها وتزيد عليها إلى التدريب العملي الجاد والمكثَّف في المؤسسات المتخصِّصة -علميّة بالتركيز على العلوم والرياضيّات والهندسة والفضاء؛ أدبيّة بالتركيز على الشِّعر والنَّثر والقصَّة القصيرة والكتابة الإبداعيّة؛ تقنيّة بالتركيز على الروبوتات والأمن السيبراني والإلكترونيّات والمحتوى الرقمي؛ أدائيّة بالتركيز على العروض المسرحيّة والقرآن الكريم والموسيقى والرياضة والخِطابة والمناظرات؛ الفنيّة بالتركيز على الرَّسم والأشغال اليدويّة والخزف والخطّ العربي؛ وثقافيّة بالتركيز على الحِرف والتراث والتاريخ والجغرافيا- وربطها بقضايا المجتمع وتحديّاته ورؤاه المستقبليّة اعتمادًا على استراتيجيّات تدريس تراعي أنماط التعلم المختلفة والذكاءات المتعددة التي يمتاز بها الموهوبون والمبدعون، وتأخذ بعينِ الاعتبار المصادر الماديّة والمعنويّة والبشريّة المُتاحة.    
صحيح قد نشعُر بالغُبنِ لأنَّنا تأخَّرنا كثيرًا في إيلاء هذه الفئة منَ الموهوبين والمبدعين العناية التي يستَحقونها كونهم كنوزًا قيمتها في استثمارها وتوظيفها بِما يعود على المجتمعِ من نماء وتطوُّر وازدهار في كلِّ جوانبه ودروبه نحوَ المستقبل المَأمول.
خِتامًا، سوف أتناول خلال سلسلة المقالات القادمة الأطراف الرئيسة التي لها دور محوريّ في صقل القدرات الإبداعيّة والمَلكات المتوثّبة والاستعدادات الكامنة مبيِّنًا أدوارها وعلاقاتها بغيرها والإشكالات التي قد تواجهها بكلِّ وضوحٍ وصراحة، ليس وضَعًا لليدِ على الجُرح فهذا جلدٌ للذات ليس محلّه، وإنّما لإعادة دفّة سفينة الرعاية وتوجيهها وفق أحدث المستجدات في تربية الموهوبين والمبدعين.


هذا الموضوع من مدونات القراء
ترحب "البلاد" بمساهماتكم البناءة، بما في ذلك المقالات والتقارير وغيرها من المواد الصحفية للمشاركة تواصل معنا على: [email protected]
صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .