+A
A-

التجمهر يُهدر دقائق احتمالات الإنقاذ

بات تصوير الحوادث والأحداث العامة أمرًا اعتياديًا بين الناس دون اعتبارٍ للجانب الإنساني والخصوصية؛ ذلك لأن مثل هذا السلوك ينتهك خصوصية وحريات الآخرين في ظروفٍ صعبة، إذ أصبحت المسألة تسلية، ولأهداف شخصية للتربّع على ساحة مواقع التواصل.

وكانت قد انتشرت في الآونة الأخيرة ظاهرة التجمهر في مواقع الحوادث المرورية؛ بغية تصويرها، ثم بثها على مواقع التواصل دون مراعاة لخصوصيات الغير ودون إدراك للتبعات الاجتماعية السلبية، فالبعض يسيء استخدام تقنيات التصوير الفوري في تصوير مشاهد لا ينبغي تداولها خصوصًا إذا كانت تمس خصوصية الغير.

ولذلك أطلق فريق “كن مستعدًا” التطوعي مبادرة “لحظة!! لا تصور تلك اللقطة”، والتي تهدف إلى التوعية بخصوص عدم نشر صور لحوادث السير التي تخلّف مصابين ومتوفين؛ حفاظًا على مشاعر الآخرين واحترامًا للمتأذين وذويهم.

تحقيق الخصوصية

وتحدث قاسم الجردابي أحد أعضاء فريق كن مستعدًا التطوعي، قائلًا: “تحرص الحملة على تحقيق الخصوصية، وهو أمرٌ فطري؛ لأننا مجتمع محافظ، ولكن بسبب هذا التصرف الدخيل في ظل تطور وسائل الاتصال وما أدخل عليها من تقنيات، تصبح الصور عرضةً للتداول والانتشار دون علم الأشخاص، ودون أخذ إذنٍ منهم بالتصوير أو النشر، علاوةً على ما يسببه التجمهر؛ بهدف التصوير في مكان الحادث من عرقلة في وصول فرق الإنقاذ ومباشرة المصابين، الأمر الذي يتطلب الوقوف وقفةً حازمة ضد ظاهرة تصوير الحوادث المرورية ونشرها إلكترونيًا”.

غياب الوعي

إلى جانبه، قالت نور النامليتي: “دائمًا ما يرتكب مثل هذه التصرفات أشخاص محدودو الثقافة، حيث إن هذا التصوير يعكس عزوف الرقابة الذاتية على الفرد نفسه الذي يتعدى فيه على خصوصية المصاب، فهو بذلك سلوك سلبي يشبع الفضول الذي يدخل في حب اسكتشاف المجهول لمعرفة تفاصيل ما يقع للآخرين من مواقف وأحداث، ما يسبب ألمًا نفسيًا لأهل الضحايا أو المصابين أنفسهم مع الوقت، عاكسًا مدى استهتار البعض بأرواح الآخرين.

فسبب انتشار هذه الظاهرة في المقام الأول هو ثقافة المجتمع، والحس التوعوي الذي يغيب عن البعض ممن يجهل سوء ما قام به”. 

تعطيل الجهود

وأشار برأيه عبدالرؤوف إبراهيم: “إن تجمع الجمهور وقت اندلاع الحوادث المرورية تحت أي ذريعة أو دافع هو سلوك غير حضاري يعيق عمل الأجهزة المختصة، كما يعد من السلوكيات المرفوضة التي تعكس نوعًا من غياب الوعي لدى المتجهرين، لما له من تأثير سلبي في عرقلة مهام عناصر الإنقاذ والإسعاف أثناء تأدية واجبهم ومسؤولياتهم، وتعطيل الجهود المبذولة في وصول المساعدة إلى المتضررين في الوقت المناسب، الأمر الذي يضاعف الخسائر البشرية والمادية، فالتجمهر يزيد المشكلة التي وقعت، بحيث تصبح أكبر من حجمها الحقيقي”.

النظام يحمي الحياة الخاصة

وترى المحامية فاطمة علي بن رجب: “أنه بدأت ظاهرة تصوير الحوادث المرورية منذ انتشار وسائل التكنولوجيا، الأمر الذي يعد انتهاكًا صارخًا لحياة وحرمة الأشخاص، لاسيما وأن الدستور البحريني والتشريعات القانونية تؤكد على حفظ خصوصية الأفراد. 

فلا يحق قانونًا لأي شخص تصوير آخر دون علمه حتى لو كان بهدفٍ نبيل، وفي حال نشر هذه الصور يعد ذلك جريمة أخرى يعاقب عليها بشكلٍ قانوني، فإن المادة (47) من قانون المرور الحالي ينص على أن يعاقب بالحبس مدة لا تزيد ستة أشهر وبغرامة لا تقل عن خمسين دينارًا ولا تتجاوز خمسمئة دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من قام بتصوير حادث مروري ونشره بأي وسيلة إلكترونية، باستثناء قائد المركبة المتسببة في الحادث ووسائل الإعلام المرخص لها.

كما وأن القانون أعطى الحق للمتضرر في اللجوء للقضاء حال تم انتهاك خصوصيته، ذلك إلى جانب جهود الجهات المعنية المتمثلة في الإدارة العامة للمرور التي تقوم بدورها التوعوي اللازم والمستمر”. 

ويرى الناس أن إقبالهم في تصوير الأحداث بأنهم يقومون بعملٍ إيجابي، فقد يعتقد المصور أنه صحافي يغطي الحدث، وذلك ما تسبب في إفراغ الشيء عن مضمونه وألغى المعايير الأخلاقية المعتادة، وفي ذلك قالت الصحفية سكينة الطواش: “إن تفشي هذه الظاهرة بهذا الشكل الكبير يكمن هدفه في السبق وتحقيقق الشهرة، ولو كان ذلك على حساب أحزان الناس ومصائبهم، خاصةً مع ظهور مفهوم المواطن الصحافي في هذا العصر، والذي أصبح فيه من السهل أن يكون أيّ أحدٍ منا إعلاميًا ومراسلاً صحفيًا، بل قد يكون قناة إعلامية متكاملة دون مراعاةٍ لزمانٍ أو مكانٍ أو ظرفٍ أو فئة.

وواصلت حديثها: "إن الحد من هذه الظاهرة لا يكون إلا من خلال الوعي الذاتي بالنتائج السلبية التي تعود على المجتمع جرّاء تصوير الحوادث المرورية، والإحساس بالمسؤولية، حيث إن المصورين الهواة لا يدركون أن تواجدهم يعرقل حركة السير ويعيق عمل الأجهزة الأمنية".

انجراف وعدم نضوج

كما عملت حرية التصوير المطلق وغير المقنن على انتشار صور الحوادث ببشاعة مناظرها، والتي بدورها وسعت دائرة الألم، وفي ذلك أكدت الدكتورة النفسية شريفة سوار: "على تبعات تصوير الحوادث السلبية نفسيًا قائلة: "إن تداول مثل هذه الصور والمقاطع يسبب الفزع في الرأي العام، ويترك أثرًا نفسيًا عميقًا وموجعًا في أنفس ذوي أطراف الحوادث، فربما يتعلقون بهذا المشهد ويخلد في ذكراهم لسنين لا يبرأ ألمها، أوقد يتبعها ضغوطات نفسية كالقلق والتوتر وحالاتٍ أخرى".

وتابعت: " وأكثر من هم عرضةً لهذه الحالات النفسية، الأطفال والبالغين، من خلال استعادة الذكريات الأليمة أثناء الأحلام المزعجة ذات العلاقة بموضوع الحادث، وما يرافقه من انفعالات واضطرابات حادة تشتمل على القلق، التوتر المستمر وقلة النوم، وقد تؤدي كل هذه الاضطرابات إلى خوف الخروج من المنزل وبالتالي إلى الإنعزالية".