+A
A-

“الاختيار” ملحمة درامية تنير قلب المشاهد وفكره

لقد أصبح النموذج للبطل التراجيدي ليس الذي يفجع في مصيره من قوى خارجة عنه، بل هو ذلك البطل الذي تسير الحوادث وفق رغباته وإرادته، انه ينتصر دائما مهما كانت العوائق، مادام يسعى لغرض ينال، لقد أصبح من المحتم أن ينتصر البطل حتى ولو لم تؤد طبيعة الظروف إلى ذلك، والبطل الذي أتحدث عنه هنا هو الفنان أمير كرارة، الذي يقوم بدور البطل الشهيد أحمد منسي، وحش من وحوش الصاعقة المصرية وقائد الكتيبة 103، الذي استشهد في كمين مربع البرث بسيناء أثناء محاولة التصدي لهجوم إرهابي، في المسلسل الرائع “الاختيار”، الذي يعرض على معظم الفضائيات العربية.

ومسلسل “الاختيار” طرق لأول مرة مجالا تعبيريا عن قضايا اليوم والساعة بالنسبة للإنسان في مصر الشقيقة وخارجها، وهي قضية إرهاب العناصر التكفيرية، ويمكن القول إن البطل كرارة خرج عن فن الممثل التقليدي القائم على حفظ النص والحركة التقليدية ذات التفسير والمضمون التقليدي، ولقد أصبح كرارة بوجهة نظري فيلسوفا ومفكرا، منطلقا من فلسفة وفكرية النص المطروح الذي أبدعه السيناريست باهر دويدار.

والممثل لا يمكن أن يكون ممثلا بالمعنى الصحيح، إلا إذا كانت غايته في الحياة غاية الخير، يستقي من دوره الخير ليعكسه إلى الناس فسيستحسنونه ويستجيبون له، فالممثل الصحيح هو الذي ينشأ وفي قلبه فكرة تنمو بنمو عقله ومزاولته.

كما أن العواطف الصادقة هي التي تولد الإحساس الصادق في الفن، وان ميزات الفن السليم الإحساس، فبقدر ما يكون صادقا ومتدفقا تلقائيا لا قسريا بقدر ما يكون الأداء الفني متحركا وذا قيمة جمالية عالية، وتكمن الدراما كلها في لحظات الاستغراق والتأمل تتخللها الاختلاجات النفسية التي تهز أفراد العائلة الجالسين حول المائدة، إذ يتبين كل منهم حقيقة وجوده وحقيقة من حوله.

ومسلسل “الاختيار” يستحق التحية، في الأفكار والمواقف والأحداث والشخصيات، فنحن أمام مسلسل عجيب أساسه قوي ومتماسك، وجاء الإخراج تعبيرا دقيقا عن هذه الحقيقة، وكاميرا المخرج بيتر ميمي تتحرك بصدق وحرارة، وتنقل ما يدور أمامها باحترافية. فالإخراج هو الذي يجعل من التمثيل عملا جماعيا يشبه الفريق الرياضي، وهو بذلك يشيع حياة الشركة في عالم الدراما أو حتى المسرح.

وشاهدنا جميع الشخصيات في المسلسل تتحرك وتنبض بالحيوية والنشاط والمشاهد مرسومة حسب تنسيق وخطة موضوعة، ويخيل إلي أن المخرج بيتر ميمي قد انطلق من نقطة محددة وهي إلقاء الضوء بشكل مطلق على الناحية الشعورية، وإخضاع وسائل الإخراج كافة لإبراز المعنى الشاعري والنفسي للشخصيات، أكثر مما توخى الحذر في التضخيم في العنصر المرئي للعمل، فمشهد والد الشهيد أحمد منسي عندما يخبر ابنه بأنه مصاب بالسرطان في مراحله الأخيرة في الحلقة الرابعة، كشف لنا كوامن القيم الجمالية والروحية واللذة والحماس، مشهد فجر إحساس صادق في الفن، ولهذا السبب اقترب المسلسل من وجدان المشاهد بشكل كبير ومنذ بدايته، كما أن مشهد استشهاد الضابط علي صبري، الذي قام بتأدية الدور الفنان آسر ياسين حمل نفس المشاعر.

عمومًا من يشاهد مسلسل “الاختيار” يرغب في إطالة التأمل في الانفعالات النفسية التي تلقي الضوء وتمنح ذلك الري والشبع، فشكرا من القلب للقائمين على هذه الملحمة الدرامية التي تنير قلب المشاهد وفكره، وتنقل إلينا أروع البطولات للجيش المصري العظيم، جيش العروبة الشامخ.