+A
A-

للقراءة: "الشبيه" لجوزيه ساراماغو


علِم تيرتوليانو ماكسيمو ألفونسو عن وجود رجل يشبهه من طريق نصيحة، أو وشاية، أتته من زميله أستاذ الرياضيات. وهو، حين رآه في شريط الفيديو، لم يصدّق أن يتطابق رجلان في الشكل إلى هذا الحد، كان كما لو أنه يشاهد نفسه في الفيلم يقوم بتأدية ذلك الدور الثانوي. الفارق الوحيد الذي تميّز به ذاك الآخر هو الشارب، لكن كان يمكن لتيرتوليانو أن يتخّيل الوجه دونه. ثم إنه، لمزيد من التيقّن، قصد محل تأجير أشرطة الفيديو ليرى ذاك الوجه، في فيلم آخر يكون فيه دون شارب. وإذ راح الفضول يستبدّ به أصرّ على مشاهدة الأفلام كلها التي أدّى فيها شبيهه أدواره الثانوية المختلفة. كان ذاك التطابق يزداد تأكيدا مع كل ظهور للممثل، وبالترافق مع ذلك كان صاحبنا يزداد قلقا وهوسا بهذا الجديد، الذي طرأ على حياته.
وقد أقحمنا جوزيه ساراماغو، نحن قارئي روايته، في ذلك الهوس فارضا علينا أن نفكّر أنّ ذلك الشبه يذهب إلى ما يتعدّى التطابق الشكلي. كأننا إزاء عَرَضٍ غير طبيعي ينذر بفاجعة لا بدّ ستحدث. ولن يهدأ بال تيرتوليانو، الأستاذ الثانوي المقيم لوحده، حتى يتمكن من أن يقف أمام شبيهه وجها لوجه. وقد حدث له ذلك بعد أن عرف ما أمكنه عن ذلك الممثل الذي يحمل اسم دانييل سانتا كلارا. على الهاتف، إثر مخابرة بينهما، اتفقا على أن يلتقيا في منزل شبه معزول يبعد ما يزيد عن الثلاثين كيلومترا عن المدينة. هناك، حيث لا أحد يمكن له أن يرى الشبيهين واقفين معا، اتخذا الاحتياطات اللازمة التي من بينها لحية اصطناعية يرتديها أحدهما وشارب اصطناعي يُحمل على سبيل الاحتياط. وحين وقفا عاريين أحدهما إلى جانب الآخر، بدا أن التطابق بينهما بلغ حدّا نهائيا ومطلقا، ومتعدّيا التطابق بين أكثر التوائم تشابها. كل شيء في هذا الجسم يقابله الشيء ذاته في الجسم الآخر. حتى الندبة أعلى الظهر، وحتى التشوه الخفيف في إحدى القدمين، ولنضف إلى ذلك الصوت الذي أوهم كلا منهما أنه يسمع صوته هو وليس صوت محادثه. وقد اتفقا في نهاية لقائهما على ألا يعودا إلى الالتقاء ثانية. كان هذا رأي تيرتوليانو الذي وافق عليه دانييل لكن بشيء من السخط والعداوة اللذين رافقا امتحانهما ذاك، بل من قبله ولدى التهيئة له إذ لم يأت الثاني (الممثّل) إلا مزوّدا بمسدّسه الذي لسبب غير مفهوم، كان قد أنذر الأول بأنه سيحمله معه إلى ذاك اللقاء، لكن سيكون فارغا من الرصاصات .