+A
A-

ملف “البلاد” (1/‏ 2): مزارعون في “مهب الريح”

وجد عدد من المزارعين البحرينيين أنفسهم في مأزق كبير! فمالك الأرض التي يستأجرونها في منطقة الصالحية أوفد مندوبًا عنه ليخبرهم بنبأ وقع عليهم كالصاعقة :”يتوجب عليهم إخلاء الأرض”! فإلى أين سينقلون خمس حظائر تضم مئات المواشي والدواجن؟ كان ذلك في شهر يوليو من العام 2019، ومدة الإخلاء يجب ألا تتجاوز يوم السادس عشر من شهر أغسطس من العام ذاته.

الرحيل إلى حيث “لا مكان”!

خيبة أمل كبيرة أصابت المزارعين؛ لأنهم وجدوا أنفسهم في مهب الريح! وأن الأصعب في الأمر هو البحث عن بديل مناسب في ظل شح الأراضي المخصصة للمزارع.. إذن، يتوجب عليهم الاستعداد للرحيل إلى حيث “لا مكان”! فليس أمامهم أي خيار أو الاستعداد للنتقال بحظائرهم إلى مناطق أخرى أو إلى أين بالضبط؟ فهم يعملون في مزارعهم على هذه الأرض منذ 20 عامًا، وتشمل تلك المزارع 3 مزارع لتربية المواشي وواحدة للإنتاج الزراعي وأخرى للدواجن، وكلها يديرها بحرينيون وهي مصدر رزقهم الوحيد! لكن بعد أن نشرت “البلاد” تقريرًا حول مشكلتهم، بادر مالك الأرض، وهو خليجي الجنسية، للالتقاء بالمزارعين وطمأنهم بأنهم باقون في مزارعهم ولن يتوجب عليهم الإخلاء، وإن حدث، فإنهم سيتلقون إخطارًا في وقت مبكر ولمدة كافية لتعديل أوضاعهم.

وقتذاك، حمل المزارع منصور أحمد علي آل صادق على عاتقه إثارة الموضوع ليصل إلى المسؤولين، فهو يرى ضرورة حماية المزارعين، سواء العاملين في القطاع الزراعي أم الحيواني أم السمكي، بل والأكثر من ذلك، يلزم أن توفر الدولة تسهيلات أكبر وفق ما يتم الإعلان عنه من مشاريع ودعم وبرامج لتمكين المزارعين من أن يكونوا جزءًا رئيسًا في رفد الاقتصاد الوطني عبر توسيع إنتاجهم لتحقيق الاكتفاء الذاتي في السوق المحلية، باعتبار أن الثروة الزراعية والحيوانية والسمكية هي محور الأمن الغذائي.

المشكلة تتكرر منذ سنوات

إن هذا الوضع المفاجئ والمربك الذي يهدد المزارعين يتكرر. ففي العام 2008، واجه أصحاب الحظائر وتجار المواشي في منطقة محافظتي العاصمة والمحرق ذات المشكلة، فنظموا وقتذاك اعتصامًا أمام بوابة وزارة شؤون البلديات والزراعة مطالبين بموقع بديل لحظائرهم، بعد أن صدر حكم قضائي بإزالة حظائر في منطقة البرهامة، مع العلم بأنهم بدأوا تحركهم منذ العام 1991، ووفق مراسلات مع الجهات الرسمية في الدولة، لإيجاد مناطق مخصصة للمزارعين والمربين البحرينيين، تكون ملجأهم في حال انتهاء عقود الأراضي المستأجرة، سواء من المستثمرين أم من الدولة، لكن الوضع بقي على ما هو عليه.. لتظهر مطالبات الإخلاء المفاجأة بين عام وعام.

وفق بيانات الثروة الحيوانية، فيوجد في البحرين نحو 16452 رأسًا من الأبقار، و27800 رأس من الأغنام، و17500 رأس من الماعز، و2200 رأس من الإبل، ولا تتوفر إحصاءات حول الدواجن، ويؤكد المزارعون أهمية ترجمة توجيهات الدولة إلى برامج عمل تدعم المزارعين البحرينيين، فهناك توجيهات من القيادة الرشيدة لدعم قطاع الإنتاج الزراعي والحيواني، وزيادة نسب الاكتفاء الذاتي وتحقيق الامن الغذائي، والتشجيع على استخدام التقنيات الزراعية الحديثة ومكافحة الامراض والآفات الحيوانية وزيادة الرقعة الخضراء والاستغلال الأمثل للموارد المائية والجوفية، وهذا ما نقرأه في الصحف بين فترة وأخرى، لكن المطلوب هو دراسة واقع المزارعين وإيجاد حلول لمشكلاتهم.

كلفة مالية باهظة

وفي هذا الصدد، يقول المزارع يوسف الصايغ إنني لا أجد مشكلة في تأمين مزرعتي، فالأرض ملكي، لكن المعضلة تصبح أكثر تعقيدًا بالنسبة لأعداد كبيرة من المزارعين والمربين الذين يقيمون مزارعهم على أرض مستأجرة، فمن ناحية، ترتفع الأسعار السنوية لتتراوح بين 8 إلى 10 آلاف دينار، ومنها أراضي الأوقاف، ومن ناحية أخرى، يواجه المزارع مشكلات في الإنتاج خلاف ما كان عليه الوضع قبل عشرين سنة، حيث كانت اللحوم في السوق المحلية كلها من إنتاج مزارع البحرين، ولا يتم استيراد اللحوم من الخارج. أما اليوم، فالكثير من المزارعين يدركون أهمية أن يصل صوتهم إلى المسؤولين؛ لوضع خطط عملية قابلة للتنفيذ لدعم الإنتاج الزراعي والحيواني، وإذا جئنا إلى مشكلة مطالبات الإخلاء التي تظهر بين حين وآخر، فهي في الحقيقة تمثل تدميرًا لهذه الثروة، فلا يجد المزارع المطالب بالإخلاء خيارًا لينقل مزرعته ومواشيه وهي ليست عملية سهلة، ولها كلفة مالية باهظة لا يتمكن المزارع من تحملها.

زيادة المساحات المخصصة للمزارعين

ويشدد المزارع طاهر العصفور على حماية المزارع البحريني من الخسائر التي قد تسبب له عدة مشكلات والتزامات مالية، فالأراضي المخصصة للمزارع شحيحة، وبالمقابل، لم تعد الأراضي المستأجرة بعقود طويلة آمنة، فتارة يتم رفع الأسعار السنوية وتارة يطالب المزارع بإخلاء الأرض في وقت ضيق وحرج، فإلى أين ينقل المزارع مواشيه؟ ولهذا، تعرض عدد من المزارعين لخسائر فادحة حين طولبوا بإخلاء أراضي مزارعهم ولم يجدوا مكانًا بديلًا، فباعوا مواشيهم بسعر أقل بكثر من سعر السوق وهي بالفعل خسارة مدمرة، فمن سيعوض هذا المزارع الذي لا مصدر رزق له ولأسرته غير مزرعته؟ إن من الأهمية بمكان زيادة المساحات المخصصة للإنتاج الزراعي والحيواني، وتجربة هورة عالي من التجارب الناجحة التي يمكن وضعها ضمن برنامج عمل الحكومة في هذا الشأن.

 

 

لجنة الأسواق تحركت.. وانتظار النتائج منذ عامين

في شهر أغسطس من العام 2018، تحركت لجنة الاسواق التجارية بغرفة تجارة وصناعة البحرين برئاسة عضو مجلس الإدارة عبدالحكيم إبراهيم الشمري من خلال إجراء لقاء موسع مع عدد من التجار والمربين؛ للتعرف على احتياجاتهم، والتطرق إلى أبرز المعوقات والتحديات التي يواجهونها والعمل على تذليلها من خلال التعاون مع الجهات المعنية بالدولة.

ومن بين النقاط التي رصدتها اللجنة كمطالب هي خدمات النظافة في الحظائر والمناطق المحيطة بها، وتوفير حاويات في المنطقة الخاصة بالحظائر؛ للحفاظ على نظافة المنطقة والبيئة، إلى جانب أهمية رصف الطرق وتحسين الإنارة للمساهمة في تطوير القطاع، وتخفيض تعرفة الكهرباء والماء والرسوم المفروضة من بعض الجهات المختصة بالقطاع، إضافة إلى أهمية إرجاع الخدمات البيطرية من علاجات وتحصينات، وتكثيف الحملات الرقابية على اللحوم المذبوحة محليًا، والتي تباع في الأسواق والمجمعات، وضرورة وجود فرضة خاصة بالثروة الحيوانية وتهيئتها بالشكل المناسب لاستقبال السفن الخشبية، وزيادة عدد الحظائر، وحل مشكلة النقص الملحوظ في الأعلاف. العديد من المزارعين طرحوا مشكلاتهم في لقاءات عديدة مع المسؤولين، وهم ينتظرون أن تحقق هذه المتابعة تقدمًا في الواقع، لاسيما وأنهم يرون أن الإنتاج الحيواني يواجه العديد من المشكلات، ومنها عدم وجود خطط وبرامج حقيقية لتطوير وتنمية قطاع الإنتاج الحيواني (الدواجن، المواشي، الأغنام) والإشراف على تنفيذها، إلى جانب عدم الاهتمام برفع الكفاءة الإنتاجية في المزارع الخاصة واستثمارها، وهو الأمر الذي يتطلب إدخال ونشر النظم الحديثة في عمليات التربية والرعاية والتحسين الوراثي.