+A
A-

“هواوي”.. عملاقة التقنية والقرار الأميركي المفاجئ

فاجأتنا وسائل التواصل الاجتماعي بقرار أميركي يحظر على الشركات الأميركية التعامل مع عدة شركات منها شركة هواوي الصينية، وأدى ذلك لامتثال شركات أميركية كبيرة منها شركة غوغل لهذا الحظر الذي سينتج عنه إيقاف دعم خدمات وبرمجيات غوغل لأجهزة هواتف هواوي. طالعنا العديد من التحليلات التقنية والسياسية لهذا الحدث ومنها الإشارة إلى تقنية 5G الحديثة وغيرها من التحليلات. لن أدخل في التحليلات السياسية والتجارية فهذا ليس مجال اختصاصي وليس الهدف من هذا المقال. إنما سأتناول الموضوع من منظور إدارة المخاطر المؤسسية.

كل الأنشطة الحيوية تتعرض كجزء من طبيعة عملها إلى مخاطر تحيط بها خارجياً وداخلياً. أحد تعاريف إدارة المخاطر هو قيام المؤسسة بممارسات داخلية لتحديد المخاطر التي تتعرض لها المؤسسة وذلك بدراسة احتمالية وقوع الحدث والأثر المترتب على حدوثه. حسب مواصفة الايزو 31000 لنظام إدارة المخاطر فإن العمليات الأساسية لإدارة المخاطر هي

- تحديد اهتمامات الشركة ومستوى تقبلها للمخاطرة

- تحديد الأحداث

- تحليل احتمالية الوقوع والأثر المترتب عليه

- تقييم المخاطر وإعطاؤها الأولوية في الاستعداد

اتخاذ القرارات والإجراءات اللازمة لتفادي أو التقليل من الضرر الذي قد تتعرض له المؤسسة

يعتقد البعض بأن إدارة المخاطر منحصرة فقط في مجال تقنية المعلومات واتخاذ التدابير اللازمة لاستمرارية وأمن المعلومات والخدمات التقنية المقدمة، والبعض الآخر قد يحصر إدارة المخاطر (وقياس مستوى المخاطرة) في العمليات المالية لتقييم الحالة المادية والسجل الائتماني للزبون، وغيرها من ممارسات إدارة المخاطر. لكن النظرة الأشمل لمفهوم إدارة المخاطر هو أن يشمل المؤسسة ككل في كافة أنشطتها على المستوى المؤسسي.

الهندسة العكسية للأحداث Reverse-engineering

سنتناول الأحداث عكسيا ويتبين منها اتباع هواوي لممارسات إدارة المخاطر. فقد أعلن الرئيس التنفيذي لخدمات الزبائن في شركة هواوي عن إطلاق نظام تشغيل مطور داخلياً من قبل شركة هواوي يمكنه العمل على الهواتف والأجهزة اللوحية وغيرها، وأنه من المتوقع إطلاقه قبل نهاية عام 2019 وتم بالفعل تسجيل الحقوق الفكرية لنظام التشغيل في الأيام الماضية. هذا بالإضافة إلى التصريحات بأن الشركة لا تعتمد على مزود واحد لاحتياجاتها الأساسية مثل معالجات الهواتف النقالة حيث استخدم معالجات من الولايات المتحدة الأميركية وتايوان ومعالجات تنتجها الشركة نفسها.

يظهر من تصريح الشركة أنها قد نفذت العملية المخطط لها عند حدوث ما يعرقل نشاطها وستطلق نظام التشغيل الجديد

كما هو متوقع فإن نظام التشغيل قد تم تطويره مسبقا وحسب موقع الشركة فإن ذلك بدأ منذ العام 2012

إن عملية تطوير نظام تشغيل تتطلب الكثير من الجهد والمال والبحث وعدة موارد أخرى للشركة، ويتم اتخاذ مثل هذا القرار إذا تم تقييم ذلك المشروع بأنه ذو أهمية وأولوية عالية واعتباره بأنه يساعد على تفادي مخاطرة عالية

يتم تقييم المخاطر في المؤسسات بدراسة احتمالية وقوع الحدث والأثر السلبي أو مدى الضرر المتوقع حال حصول ذلك الحدث، ومن بعدها يتم ترتيب أولويات الاستعداد للمخاطر

بالطبع، قبل تحديد الأحداث والآثار المترتبة عليها قامت المؤسسة بتحديد أهم مواردها ومنتجاتها وتحديد مدى تقبل الشركة لتعريضها للخطر ومستوى الخطر الذي يتطلب اتخاذ إجراءات احترازية لتفاديه.

الممارسات التي ذكرتها غالبا ما تكون ضمن منظومة تتبعها المؤسسات في إدارة المخاطر، وبعد الاطلاع على التقرير المالي لعام 2016 للشركة تبين أنها تتبع منهجية كوسو COSO لإدارة المخاطر المؤسسية ونظام الايزو 31000. كما ذكر التقرير نفسه أيضا المخاطر التي تم تحديدها وما تتخذه الشركة لتفادي وقوعها أو تخفيف الضرر المتحقق منها. يذكر أن عمليات إدارة المخاطر تدخل ضمن إعداد استراتيجيات الشركة، وتتم متابعتها بصورة مستمرة.

“التوتر بين الدول والحروب، والعقوبات الاقتصادية يمكنها أن تعيق عمليات هواوي الإنتاجية وتطورها. لذلك يجب أن تمتلك هواوي قدرات استثنائية في إدارة المخاطر” (التقرير المالي لشركة هواوي، 2016).

الأيام المقبلة ستظهر لنا جدوى جهود الشركة في التعامل مع هذا الحدث وأبعاده، لكن من الواضح أن الشركة اتبعت إجراءات كان نتيجتها تقليل الضرر المتوقع من قرار الولايات المتحدة الأميركية المفاجئ وتجنيب الشركة خسائر كبيرة لو لم تكن مستعدة. وهذه دعوة للتأمل في مدى استعداد مؤسساتنا المحلية وتأكيد أهمية تطبيق مفهوم إدارة المخاطر فيها للحفاظ على استمرارية العمل.