+A
A-

زيارة جلالة الملك لمصر تجسيد للمصير المشترك

تأتي زيارة عاهل البلاد صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة إلى القاهرة ولقائه الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي لتؤكد وحدة المصير المشترك الذي يجمع البلدين الكبيرين منذ عقود، وحرص قيادتهما على مواصلة التشاور والتنسيق الدائم بغرض مجابهة التحديات التي تواجه أمن المنطقة والعالم، وتذليل أية عقبات قد تعترض سبيل مسيرة علاقات البلدين الطويلة الأمد، والتي تجسد عمق التفاهم الاستراتيجي بينهما.

وينظر للزيارة الملكية السامية بأنها تمثل ذروة الاتصالات التي لم تنقطع بين قيادتي البلدين خلال السنوات القليلة الماضية، خصوصا أن القمة التي جمعتهما، والمباحثات التي جرت بينهما التي تناولت للكثير من الملفات ذات الاهتمام المشترك، تعكس إدراكهما أهمية الحفاظ على مسارات التعاون القائم، وسعيهما الدؤوب على دعمها بكل الآليات والأدوات الممكنة، وتوفير الظروف المناسبة لها لتطويرها وتفعيلها، وبما يكفل لهذه المسارات القدرة على النمو وفتح آفاق جديدة لها تعود بالخير والرخاء على شعبي البلدين.

وواقع الأمر أن الزيارة السامية تكتسب أهميتها من أكثر من اعتبار، أولها: أنها تأتي بعد الحضور البحريني الفاعل في أعمال القمة العربية الأوروبية الأولى التي استضافتها مدينة شرم الشيخ المصرية في فبراير 2019 الماضي، وحرص جلالة العاهل آنذاك على تلبية دعوة أخيه الرئيس المصري لحضور القمة، والكلمة التي ألقاها جلالته في إطارها، وتطرقت للتحديات التي تواجه المجتمع الدولي، ويتعين التعامل معها خلال الفترة المقبلة بنهج مختلف وبشكل جماعي.

ثانيها: أن الزيارة جاءت عقب نجاح اجتماعات اللجنة المشتركة التي تؤطر وتنظم علاقات البلدين في نوفمبر 2018، وأسفرت وقتها عن تأكيد قوة العلاقات التي تجمع البلدين، ومدى اعتزاز قيادتي البلدين بهذه العلاقات الأخوية، والتي في تطور مستمر على الأصعدة كافة؛ بفضل توافق الرؤى وتناغمها بشأن المستجدات الإقليمية والدولية، واتفاقيات ومذكرات التفاهم الموقعة بينهما في العديد من المجالات، فضلا بالطبع عن الروابط والوشائج الأخوية التي تجمع شعبي البلدين، وتدفعهما دفعا لتطويرها وتفعيلها.

ثالثها: التوقيت الذي تأتي في إطاره الزيارة، وهو توقيت بالغ الدقة، لاسيما في ظل التحديات التي تجابهها المنطقة، وضرورة الاستمرار في عمليات التنسيق الدائم بينهما سواء بغرض مكافحة الإرهاب أو لمواجهة التدخلات الإيرانية في شؤون الداخلية لدول المنطقة، خصوصا مع تصاعد مستوى التحركات الإقليمية والدولية الرامية إلى وقف هذه التدخلات، التي وصلت إلى درجة التهديد بأمن واستقرار دول المنطقة وشعوبها، والتي بحاجة إلى فهم ووعي مشترك يجمع في الحقيقة البحرين ومصر بشأن مجمل هذه التهديدات والتحركات المطلوبة لمواجهتها.

ولا شك أن كلا من مملكة البحرين وجمهورية مصر وفي إطار تحمل مسؤولياتهما، والقيام بأدوارهما المناطة بهما بحكم موقع بلديهما الجيوإستراتيجي، ومكانتهما السياسية في محيطيهما، يتبنيان رؤية واحدة مشتركة إزاء السبل الكفيلة بحماية أمن الخليج العربي واستقرار الشرق الأوسط برمته، وهو ما تجلى واضحا في أكثر من مظهر ليس فقط بحكم الاتصالات واللقاءات التي لم تنقطع بين البلدين الشقيقين، وإنما بحكم الواقع الفعلي الذي تفرضه التهديدات والمخاطر المشتركة والتي يتفق الجانبان على ضرورة التصدي لها.

وكان صاحب الجلالة العاهل قد أكد في أكثر من تصريح له وخلال العديد من المناسبات بأن “قوة مصر هي قوة للعرب جميعا”، وهو ما شدد عليه أيضا الرئيس المصري الذي أكد أن “أمن دول الخليج جزء لا يتجزأ من أمن مصر، ونحن معكم في مصر، ومع الاستقرار والأمن وعدم التدخل في شؤون الغير”، ما يعكس حقيقة التناغم القوي الذي يجمع البلدين ومواقفهما، وإستراتيجياتهما في المواجهة.

ويعول كثير من المراقبين على الزيارة الملكية لترسم ملامح إضافية جديدة لطبيعة العلاقات القوية التي تربط كلا من مملكة البحرين وجمهورية مصر العربية الشقيقة وشعبيهما، في ظل دعم ومساندة العاهل والرئيس المصري لها، وما شهدته السنوات الماضية من لقاءات وزيارات واتصالات متبادلة، والتي زادت كثافة خلال السنوات القليلة الماضية، إذ يشار إلى القمة البحرينية المصرية في يونيو 2017، وزيارة العاهل للقاهرة في إبريل 2016، وزيارة الرئيس المصري للمنامة أواخر أكتوبر 2015 على هامش حوار المنامة الـ 11، وكان العاهل ضمن الحضور في حفل تدشين وافتتاح قناة السويس أغسطس 2015، وغيرها. ومع كثافة هذه اللقاءات المتتالية، يمكن استخلاص دلالات مهمة عدة، وتبشر بمستقبل مشرق في العلاقات البحرينية المصرية، فمن جهة: فإن حيوية وتطور الاتصالات واللقاءات البحرينية المصرية، التي يمكن وصفها بأنها في أعلى مستوياتها ومراحلها في هذه المرحلة، ستضفي زخما خاصا للعلاقات الثنائية في الحاضر والمستقبل، وتمضي بها قدما إلى آفاق أرحب وأوسع من التعاون النشط في جميع المجالات والمستويات. ومن جهة ثانية: فإن حجم التقارب الشديد بين البلدين، سيسهم بالتأكيد حاليا ومستقبلا في ضخ دماء جديدة في شرايين العلاقات المشتركة، ويضمن مزيدا من التنسيق والتفاهم حول العديد من القضايا ذات الاهتمام المشترك، والتي تلقي بظلالها على أمن واستقرار الإقليم ككل، خصوصا في ظل المواقف المتناغمة بين البلدين ناحية جملة القضايا ذات التأثير المباشر على أمنهما واستقرارهما. ومن جهة أخرى، فإنه يتوقع أن تسهم الزيارة الملكية ليس فقط في تحقيق مزيد من التقارب بين البلدين، وإنما في تحقيق مزيد من الدعم ومساندة كل دولة للأخرى إزاء التحديات والمخاطر التي تحدق بالمنطقة ككل، وهو ما عبَّرت عنه تصريحات قادة البلدين في أكثر من مناسبة سابقة بشأن عدم تخلي أي منهما عن الآخر، وأن كلا منهما تقف بجانب الأخرى في مواجهة ما يعترضانه من تهديدات وأخطار.

لم يكن غريبا أن تشهد مسارات التعاون بين الجانبين البحريني والمصري تقدما كبيرا خلال السنوات الماضية، فإضافة إلى وعي البلدين بدور الأخرى، إذ تؤمن المملكة بأن مصر تمثل عمقا إستراتيجيا لها، وتؤمن القاهرة بأن أمنها من أمن البحرين ويمتد للخليج ككل، وهو خط أحمر لا يمكن التهاون بشأنه، فإن البلدين يحملان الرؤية ذاتها إزاء العديد من قضايا المنطقة، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية وضرورة استعادة الشرعية في اليمن والسعي لحل سياسي للأزمة السورية والتوقف عن التدخل في الشؤون الداخلية العربية. وهو الأمر ذاته بالنسبة لتعاون البلدين إزاء قضية مكافحة الإرهاب، ويعملان سويا لمواجهة خطر تنظيمات التطرف والإرهاب وتجفيف منابع تمويلها، وتشهد العلاقات العسكرية بينهما تطورًا كبيرًا، خصوصا في ظل المناورات والتدريبات المشتركة، وعلى الجانب الاقتصادي يتخذ التعاون بين مصر والبحرين أشكالًا متعددة ومتنوعة تشمل تقريبًا جميع أوجه النشاطات التجارية والاستثمارية والتنموية والسياحية وتشهد حركة التبادل التجاري بين البلدين نموًا متزايدًا.

وبلغ حجم التجارة البينية بين مصر والبحرين أكثر من 100 مليون دولار، وبلغت الصادرات المصرية للبحرين 18 مليون دولار، كما ارتفعت قيمة الاستثمارات البحرينية في مصر إلى ما يزيد عن 1.7 مليار دولار، وما زالت الجهود مستمرة على الجانبين لزيادة تلك الأرقام بما يتماشى مع مستوى العلاقات بين البلدين الشقيقين.