+A
A-

“مهرجان التراث” نافذة للموروث البحريني الشعبي

لا مناص عن العودة إلى الماضي لتشكيل هوية مستقبل مزدان بعبق الأصالة، وهذا ما يتجلى لدى تمسك البحرين بإحياء ونَشر تراثها العريق بتضافر رسمي وشعبي. ومن أبرز ما يعكس هذا الحرص هو مهرجان البحرين السنوي للتراث المنطلق منذ عام 1992 تحت رعاية هيئة البحرين للثقافة والآثار بمشاركة شعبية واسعة، والذي يحكي في كل نسخة منه جانبا مضيئا من الموروث الشعبي البحريني، وقد جاء هذا العام بنسخته السادسة والعشرين حاملا شعار (ذاكرة المحرق) مستحضرا في فعالياته المقامة بالقرب من قلعة عراد والقرية التراثية التابعة لها، تراث جزيرة المحرق في مجالات الثقافة والأدب والفنون.       

وللوهلة الأولى التي جلنا فيها أرض المهرجان كان كل شيء ينطق بلغة الأصالة من حرف وصناعات يدوية كالأزياء التقليدية،الفخار، السيوف، المسابح، الصناديق المبيتة، النسيج، خياطة التور، والنقش على الجبس، ناهيك عن البحرينيين الذين يستعرضوا هذه الحرف بشغف ويشرحوا للزوار حيثياتها وأهمية الحفاظ عليها. كما ان لوحات البورتريه لشخصيات تركت بصمات لامعة في تاريخ المحرق، والطفلات المرتديات أثوابا شعبية(النشل) كانتا بمثابة بوابة دخول مباشرة لعالم الموروث الثقافي القديم.

وما أن نقترب من ركن الملابس التقليدية حتى نلحظ بائع الأزياء الشعبية محمود صالح ماسكا ثوب النشل المطرز واصفا إياه ثم يشير إلينا بأن الاقبال على الأزياء البحرينية التقليدية ما زال واردا، موضحا أن البحرينيين متمسكون باقتناء هذه الأزياء خاصة في مواسم رمضان ومناسبات الأعراس والأعياد واللقاءات العائلية الأسبوعية. ملفتا لكون تفاعل الزوار مع المهرجان كبير اذ “ثمة تباين أبدوه فيما يتعلق بالأزياء من حيث إختيار نوع القطعة والتطريز”.       

وتقع أعيننا على أيد ملطخة بالصلصال تحاول تشكيل الفخار وهي تعود للأستاذ المتخصص بالتراث الشعبي علي عبدلله علي عبدلله،الذي يؤكد بأن صناعة الفخار من الصناعات القديمة في البحرين ويرتبط تاريخها بآلاف السنين الممتدة لفترة دلمون، اذ “ما زال البحرينيون متعلقين بالفخار ومقبلين عليه فنراهم يزينون بيوتهم به”.

ويشير إلى أن المهرجان حقق حضور جيد كونه امتد لأوقات الاجازات، وأن الاقبال الكبير من قبل البحرينيين عليه يعد مرآة عاكسة لتمسكهم بتراثهم “اذ نراهم يقبلون نحونا ويقصون حكاياتهم مع الموروث عند الصغر وكيفية حفاظهم عليه”. ونتجه صوب طفل جالس بجانب السيد فيصل علي شبر الذي يعلمه كيفية صناعة الحبال، ويشرح لنا تفاصيل متعلقة به بالقول: صناعة الحبال ليست موجودة حاليا وان وجدت فهي بنسبة ضئيلة جدا، فنحن لا نصنع الحبال حاليا انما نقوم بشرائه مستوردا.

ويضيف: يقوم المزارعين باعطائنا الليف مجانا لصناعة الحبل لكن بما أن صناعته متعبة وتستغرق وقتا نقوم بشرائه توفيرا للوقت والجهد. وعن استخدامات حبال الليف يذكر شبر أنه يتم استعماله لصناعة أشياء تراثية قديمة كالقبب التي تقع على المآذن أو المأتم أو فوق الفلل،”فنستخدم حبال الليف في وسط الأسمنت كي يتماسك”.

ويسير انتباهنا مشدوها نحو تحف ذات نقش إبداعي ومجسمات لسفن صغيرة أعادت ذاكرتنا لحكايات الأجداد مع الغوص في قاع البحر.    

ويرى صانع مجسمات السفن عبدلله محمد خليل بوزبون، أن الجيل الصاعد متمسك بالتراث وهذا ما يظهر من خلال قيام البحرينيين بتصميم منازلهم بأسلوب تراثي “كمجلس تراثي توضع فيه السجادة أو المدة، الدواشق، الطاووس والمناظر”.

ويضيف: الإقبال الرائع من قبل البحرينيين على هذا المهرجان ينم عن تمسكهم بالتراث القديم فأغلب آبائهم غواص أو طواش أو نوخذة فيقوموا باقتناء بعض السفن لتكميل أشياء تراثية لديهم من تركات أهلهم.

ويلفت بوزبون إلى أن البحرينيين يقتنون المجسمات كإهداءات سواء للجمعيات أو الأفراد أو الشركات التي نقوم بصناعة علب خاصة بها، ونضع نحط لها الاهداء على نفس السفينة ثم نقدمها وبالنسبة لدول الخليج نعمل لهم علب الصناديق (الخشب) وأنا أرسلها عبر البريد الممتاز كونه أقل تكلفة.

ويشدد صانع التحف التراثية جعفر عبد الحسين، على أهمية الحفاظ على ثقافتنا القديمة وصهرها على شكل تحف ترسل لدول الخارج أسوة بالأجانب الذين يرسلوا تحفهم لأسواقنا “فنحن نقوم بفعل ذلك لنخبرهم بأننا لدينا تراث نحافظ عليه وننقله عبر التحف التي ننقش عليها”. ويلفت إلى تجلي النقش البحريني الأصيل بعدة أماكن كبيت سيادي، موضحا أن النقش موجود حاليا بنسبة قليلة” اذ نقوم بالنقش أيضا على البيوت ونحاول احيائه مجددا، فنحن هنا لاحياء ثقافتنا وتراثنا”.

تقرير الطالبة زهراء غريب

جامعة البحرين