+A
A-

عادل آل صفر... الطريق لاكتساب الخبرة محفوف بالتضحيات

أنشأ أول معهد لتعليم الكمبيوتر بالبحرين في 1980

أدخلنا خدمة “البيجر” للبحرين بالتعاون مع “بتلكو”

بعض البنوك لم تكن مقتنعة بإدخال أجهزة الصراف الآلي

الخشية من الإبر والمستشفيات أبعدته عن عالم الطب وأدخلته التجارة

آل صفر: النجاح في كيفية السباحة مع أسماك القرش دون ضرر

تشرفت بمنح وسام الشرف من الدرجة الأولى من قبل جلالة الملك

خطة لافتتاح فروع جديدة لمدرسة “العاصمة” بالكويت والسعودية وعمان

 

قاده شغفه بالتعليم إلى تأسيس مجموعة أعمال ناجحة تضم محفظة من الأصول التعليمية البارزة، فهو أول من افتتح معهد لتدريس الكمبيوتر في البحرين في العام 1980، ومن بعدها أسس العديد من المعاهد والمدارس التي كان لها الأثر في القطاع التعليمي في المملكة والمنطقة، وآخرها مدرسة العاصمة في البحرين ودبي ويسعى للتوسع الخليجي.

بدأ رجل الأعمال عادل آل صفر تجربته التجارية منذ السابعة، وذلك من خلال بيع بعض المأكولات بين أزقة المنامة على صندوق خشبي متواضع، قبل أن يتلمس طريقه نحو النجاح مبتدئًا من نقطة الصفر. ويترأس آل صفر بعد عقود طويلة من العمل الشاق والمتواصل، وطموح جامح يناهز عنان السماء، مجلس إدارة مجموعة رائدة تضم أكثر من 30 فرعًا وشركة في مختلف الاختصاصات. “البلاد” التقته وأجرت معه “لقاء الأحد” فإلى نص الحوار:

  في البداية كيف كانت البيئة الأسرية. وهل دفعتك العائلة لولوج عالم التجارة والأعمال؟

نشأت في أسرة متوسطة الحال، ووالدي كان يعمل في التجارة، وعائلتنا مكونة من 4 إخوة وأختين، الوالدة كانت مهتمة بالتعليم بشكل رئيسي حتى لقبت في مقالة بصحيفة “الأضواء” حينها أنها “أم الدكاترة”، إذ ساهمت الوالدة في حثنا وتشجيعنا على التحصيل العلمي، وكانت الوالدة تتنقل معنا من العراق إلى سوريا ولبنان، لتلتحق بنا في المدارس نظرًا لتطور التعليم هناك في الخمسينات والستينات.

والوالد كان يجيد الإنجليزية بطلاقة إلى جانب لغات أخرى وهذا ما شجعنا على تعلم اللغات وإجادتها.

لقد كان هناك اهتمام كبير بالدراسة، لدرجة أن جميع إخواني وأخواتي اختاروا دراسة الطب، فمنهم من تخصص في الطب النفسي وآخر باطني وكذلك الطب المهني أما الأخوات فإحداهما من أوائل من تخصص في مجال الطب البيطري رحمها الله وأخرى أيضًا من الأوائل في مجال طب الأسنان.

 

  إذًا جميع أخوتك عملوا في المجال الطبي، لماذا لم تصبح طبيبًا؟

 

السبب الرئيسي أني منذ طفولتي كنت أشعر بالرعب من الإبر الطبية، وكنت أخشى ارتياد المستشفيات، وعندما كنت أطلع على الكتب الطبية التي يدرس فيها إخوتي حيث كنت أصغرهم، فكانت كتب الطب كبيرة الحجم ومملوءة بصور المرضى والأمراض وهذا جعلني لا أحبذ  تخصص الطب بتاتًا.

رحلة دراستي الجامعية بدأت بالعراق ثم عدت إلى البحرين والتحقت بكلية الخليج آنذاك في تخصص الهندسة الكهربائية والميكانيكية، وعملت في “ألبا” في فترة الإجازة الصيفية، وكنت أحصل على نحو 70 دينارًا شهريًّا، إذ كان مبلغًا جيدًا بالنسبة لي كطالب، وكانت تلك أيامًا جميلة وتعلمنا فيها تحمل المسؤولية.

 

ذكرت أن الوالد كان تاجر جملة في سوق المنامة، فهل مارست التجارة مع الوالد؟

 

الوالد رحمه الله كان تاجرًا بسيطًا امتهن تجارة اللؤلؤ، وكذلك عمل في بيع بضائع بالجملة، وكنت أذهب معه في بعض الأوقات إلى دكانه ولكن لم يكن لي اهتمامًا بتلك التجارة، والتأثير الأقوى فعالية عندما كنت في الثامنة من العمر، حيث استثمر العطلة الصيفية وذلك بمساعدة الوالدة رحمها الله والتي كانت تعمل بعض الأكلات الخفيفة وأضيف لها بعض ألعاب الأطفال مع شراب “النامليت” (المشروبات الغازية) فأبيعها أمام منزلنا بالمنامة، هذه كانت أول تجربة أو تعامل لي بمجال التجارة. ورغم أن الأرباح متواضعة كنصف روبية يوميًّا آنذاك إلا أنه ذو اعتبار لشراء بعض الحلويات، فأشعر أني حققت إنجازًا شخصيًّا كبيرًا وبناء صداقة مع المشترين كانت لها دور في بناء شخصيتي والاعتماد على النفس.

 

كيف بدأت حياتك المهنية، بعد التخرج في الجامعة؟

بعد حصولي على شهادة كلية الخليج عملت في مؤسسة اتصالات خليجية بالبحرين، وكان أول راتب لي 700 دينار في عام 1975، إذ يعتبر عاليًا حينها، عملت لنحو سنة ونصف بعدها طلبت من الشركة والتي كانت تتبع لوزارة الإعلام الذهاب إلى بريطانيا لإكمال الدراسة الجامعية بمجال الكمبيوتر، وبعد ثلاث سنوات من الدراسة، رجعت للوطن للعمل في نفس المؤسسة التي ابتعثتني كاختصاصي كمبيوتر، وبالرغم من أن راتبي ارتفع إلى 1500 دينار شهريًّا وهو راتب مرتفع جدًّا إلا أن الوظيفة لم تكن ذات مردود إيجابي لاكتساب مزيد الخبرة مهنيًّا وعلميًّا، وعليه، طلبت من وزير الإعلام حينها طارق المؤيد، رحمه الله، الموافقة على التحاقي بشركة طيران الخليج لما لها من مردود جيد في اكتساب خبرة مباشرة في تخصصي المهني وهو مجال الكمبيوتر، وبالفعل تمت الموافقة والتحقت بالناقلة الوطنية كمساعد مدير قسم الكمبيوتر. اندهش الأصدقاء لأن الراتب في الوظيفة الجديدة كان 500 دينار شهريًّا بدلاً من 1500 دينار في الشركة السابقة، إلا أن هدفي ليس ماديًّا إنما الفرصة الذهبية للتعلم واكتساب المزيد من الخبرة وبناء الذات التي لا تقدر بثمن، ومثل هذا القرار الصعب من أفضل القرارات التي اتخذتها في حياتي.

 

إذًا حياتك المهنية كانت حافلة، متى بدأت أول مشروع تجاري في ظل هذه المهام الجسيمة؟

عندما كنت في طيران الخليج، وبعد فترة انتهاء الدوام الرسمي في الواحدة ظهرًا، لم يكن هناك عمل أقوم به، وأقدمه لنفسي وللمجتمع فشعرت بالملل الشديد. بعض الإخوان يطلبون مني أن أعلمهم الكمبيوتر، فجاءت فكرة إنشاء معهد لتعليم الكمبيوتر، لا أمتلك رأس المال الكافي لشراء الأثاث وتجهيز المكان المطلوب، ولله الحمد، كان والدي رحمه الله من الأشخاص الذين دعموني من الطفولة حتى بدأت حياتي التجارية، إذ أقرضني مبلغ ألفي دينار لبدء مشروع المعهد الذي أعجب الوالد به، لما له من دور في خدمة المجتمع، وبالفعل بدأت في الثمانينات إنشاءه، بعد الحصول على موافقة شرطة طيران الخليج وتم ترخيصه من وزارة التربية والتعليم علي يد وزير التربية والتعليم آنذاك، المرحوم الشيخ عبد العزيز آل خليفة، والذي كان أول ترخيص يصدر لتعليم الكمبيوتر، وبدأ المعهد يكبر شيئًا فشيئًا، واستطعت إعادة المبلغ الذي اقترضته من الوالد بعد سنتين، إلا أنه أعاده لي كمكافئة على النجاح في المشروع، فقد كان هدفه من استعادة المبلغ هو إعطائي درسين أولاً لتقدير قيمة المال والثاني أراد يعلمني تحمل مسؤولية إعادة القرض أيًّا كان.

إذًا المعهد شكّل انطلاقة لأعمال أخرى في مجال الكمبيوتر؟

نعم، هذا ما حدث، خصوصًا بعد أن توسّع عمل المعهد، إذ قررت التفرغ للعمل الحر تمامًا وتركت طيران الخليج بعد أن كنت مسؤولاً عن قرابة 300 موظف معظمهم في حينها أجانب. هناك بعض الأسباب الأخرى في أترك العمل بالشركة، ومنها تفضيل الأجنبي آنذاك على المواطن، وذلك بمنحه امتيازات عديدة كالسكن والسيارة والتعليم المجاني لأبنائه، فكان من غير المنطقي أن أكون مسؤولاً عن الموظفين الأجانب وأواجه مخاطر الإدارة على مدار الساعة نظرًا لأهمية أنظمة الكمبيوتر في الحركة الجوية للشركة، في حين الأجانب يحصلون على أجور ومزايا أفضل مني كبحريني، وبالفعل قرّرت تقديم استقالتي، وبدأت فورًا بالتفكير في تأسيس شركة كمبيوتر لبيع الأجهزة، فأسسنا تلك الشركة وأخرى في مجال برامج الكمبيوتر، في وقت بدأت أجهزة الكمبيوتر تغزو الأسواق، وحصلنا على وكالات عالمية وأصبحت شركة بيع الكمبيوتر من أقوى الشركات العاملة في مجال الحاسبات الشخصية بالبحرين. استطعنا في فترة وجيزة تصميم وبرمجة العديد من أنظمة الكمبيوتر مثل برامج للإدارة العامة للمرور وبرامج لإدارة الهجرة والجوازات والعديد من البرامج الأخرى وذلك في نهاية الثمانينات، وكان لدي مبرمجون وخبراء من بريطانيا وهولندا ودول أوروبية أخرى.

 

هل حدثتنا عن كيفية دخول نشاط خدمات المصارف والاتصالات؟

كنا وكلاء لشركة “فيلبس” للاتصالات وحين بدأ انتشار أجهزة المناداة أو ما يعرف بـ “البيجر”، كان لنا دور في تزويد شركة بتلكو للاتصالات بهذه الأجهزة التي لاقت رواجًا وشكلت طفرة في الاتصالات حينها. كما أتاح لنا تمثيلنا لشركة “فيلبس” تزويد المصارف البحرينية بأجهزة الصراف الآلي ATM في بداية دخولها إلى البحرين.

 

دائمًا ما تواجه التقنيات الجديدة صعوبة في السوق، فهل واجهتم مشكلات بفكرة الصراف الآلي؟

نعم، بعض البنوك تقبلت الفكرة، لكن مدراء آخرين رأوا أنه لا حاجة لوجود ماكينة تقوم بدور الموظفين، وفضلوا أن يتم صرف الأموال عبر الكونتر، ولم تكن الصرافات تلقى إقبالاً كما هو اليوم، لكن مع الوقت، تغير ذلك شيئًا فشيئًا.

 

انطلقت في مجال الأعمال من التعليم، كيف واصلت الصعود في هذا القطاع؟

توسعنا من خلال افتتاح فرع معهد لتعليم الكمبيوتر في دبي في عام 1992، كما أسسنا معهد البحرين للتكنولوجيا التابع سابقًا لبنك البحرين للتنمية في التسعينات.

وأسسنا مع شركاء تلك المدرسة والتي هي من أنجح المدارس الهندية في البحرين آنذاك. وبعدها بدأنا تأسيس مدرسة “العاصمة” في البحرين في 2014 والتي تقدم المنهج  البريطاني ثم دشنّا فرعًا للمدرسة في دبي، والحمد لله هي من المدارس الناجحة في البحرين ودبي واللتين تدرسان وفق النظام البريطاني مع مدرسين وطاقم إداري بريطاني وتمنح شهادات معتمدة.

 

  وما خططكم لمواصلة الاستثمار في النشاط التعليمي بالبلاد؟

مع ارتفاع الطلب من قبل أولياء الأمور لتسجيل أبنائهم في مدرسة العاصمة ووجود إقبال للحصول على تعليم جيد ومميز، نحن الآن في خطوات سريعة لتشييد مبنى للمدرسة في موقع آخر، إذ تم تحديد الأرض والموقع وتقدمنا بشكل مبدئي لقسم التعليم الخاص بوزارة التربية والتعليم بتفصيل الموقع المقترح وسيستمر هذا التواصل للحصول على كافة الموافقات النهائية من الوزارة، كما أننا في المراحل النهائية لفروع أخرى في الكويت والسعودية وعمان.

 

ما أبرز الصعوبات التي واجهتها طوال مسيرتك المهنية؟

طريق النجاح لا يخلو من صعوبات أو تحديات، فأنا بدأت معتمدًا على الله سبحانه وتعالي ومن ثم الاعتماد على نفسي، ولم تكن لدي السيولة النقدية اللازمة للتوسع بالشكل المطلوب، وبذلك كانت الخطوات بطيئة بعض الشيء، وكانت التحديات ثقيلة من فترة إلى أخرى، وبالطبع لكل نجاح منافسون، والسر هنا كيفية السباحة مع أسماك القرش دون أن تؤكل!!. كان بعض الأصدقاء يقولون لي أنت مثل “الفنيلة” عندما نغطسها في الماء تظهر من جهة أخرى، وبالطبع الحياة لا تخلو من الصعوبات والمشاكل وعلى المرء عدم الاستسلام للظروف القاسية، فأنا تعلمت خلال هذه الرحلة أن كلمة “لا” يجب أن لا تكون نهاية ما تصبو لأجله وإيمانك بما تفعله هو الصحيح ويجب ألا يحبط المرء بسهولة كما أن الفشل يكسب الخبرة والمعرفة والقوة للنجاح.

وتشرفت بأن هذه المسيرة كان لها صدى عظيم حينما قام جلالة الملك بمنحي وسام الشرف من الدرجة الأولى وتقديرًا لمسيرتي العملية والاجتماعية شرف أعتز به طيلة حياتي.

وطيلة هذه الرحلة كنت دومًا أسمع دعم وتشجيع رئيس الوزراء صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة عند زيارتي لمجلس سموه مما يمنحني أيضًا السعادة لبذل المزيد لخدمة هذا الوطن العزيز، وكذلك التواصل مع ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة في زيارة مجلسه أيضًا ومتابعته الدائمة في تطوير المشاريع التي تعود للبحرين بالفائدة وإزالة المعوقات إن وجدت.

لم تكن التجارة فقط هي اهتماماتي فقد كانت لدي مساهمات متواضعة في مجالات اجتماعية، فكنت مؤسسًا ورئيسًا سابقًا لجمعية البحرين لتقنية المعلومات ومؤسس ورئيس سابق لغرفة التجارة الأميركية في البحرين وعضو مجلس إدارة غرفة تجارة وصناعة البحرين وأدوار أخرى لا يسع المجال لذكرها.