+A
A-

سموه أولى اهتمامًا بإحياء عاشوراء بسهولة ويسر وبما يتناسب مع مكانتها الروحية

على مدى عقود من الزمن، مثلت ذكرى عاشوراء الحسين “ع” ولا تزال، مكانة ذات مرتبة عالية لدى رئيس الوزراء صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة، وعلى مر تلك العقود، يمكن أن ننظر إلى الواقع من جهة، والوثائق التاريخية من جهة أخرى، لنجد أن عطاء سمو رئيس الوزراء واهتمامه بهذه الذكرى منطلق من إيمان سموه العميق بمعاني ومضامين ذكرى عاشوراء، إضافة إلى أنها تمثل لسموه امتدادًا وتجسيدًا لمناخ الحرية والانفتاح الذي تتميز به مملكة البحرين طوال تاريخها. تلك الجوانب، جاءت ضمن مساحة كبيرة في نظرة سموه لاحترام الأديان والمذاهب وحرية ممارسة المعتقدات والشعائر في مجتمع متحاب ارتبط أبناؤه بمشاعر حب وود وتلاحم كمثال للتعايش والتكاتف وروح الألفة بين أبناء الأسرة البحرينية الواحدة، وتأصيل هذا الشعور الوطني أمر أولاه سمو رئيس الوزراء كل اهتمام؛ كونه يسير في اتجاه تعزيز الانتماء الوطني والعمل لتحقيق الخير لهذا الوطن الكريم والحفاظ على أمنه واستقراره.

هذا يأخذنا إلى الخلاصة التي يرتئيها سمو رئيس الوزراء، وهي النظر إلى المستقبل بتعاون وتكاتف وتعايش جميع أبناء المجتمع بتفاؤل وإخلاص وعمل وتفان، ومواصلة النهضة والبناء على ما تم إنجازه والحفاظ على مكتسبات الوطن.. هذه المعاني الكريمة تمثل نبراسًا ومدرسة تجسدها ذكرى عاشوراء بكل ما فيها من مبادئ سامية.

من ديوان سمو رئيس الوزراء

هذه وثيقة أخرى، وهي عبارة عن رسالة صادرة بتاريخ 9 ديسمبر العام 2009 وتحمل الرقم (درم/43/2224) وتحمل توقيع وزير ديوان صاحب السمو الملكي رئيس الوزراء سمو الشيخ خالد بن عبدالله آل خليفة، وهي موجهة إلى رئيس الهيئة العامة للمواكب الحسينية السيد حسين السيد كاظم العلوي، يقول نصها “يسرني إفادتكم بأن سيدي صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء حفظه الله ورعاه، قد اطلع بالشكر والتقدير على كتابكم المرفوع إلى سموه بخصوص ترتيبات إحياء مناسبة عاشوراء للموسم القادم، ويطيب لي في هذا الصدد إحاطتكم بأنه حرصًا من سيدي صاحب السمو الملكي رئيس الوزراء الموقر، بأن تتم مراسم إحياء مناسبة عاشوراء بسهولة ويسر وبما يتناسب مع مكانتها الروحية، فقد تم التوجيه لكافة الجهات المعنية بتقديم كافة التسهيلات المطلوبة وذلك بالتعاون مع الهيئة العامة للمواكب الحسينية”.

تذليل الصعوبات والمعوقات

معاضدًا لسمو الأمير الراحل، حظيت المآتم الحسينية من لدن سمو رئيس الوزراء بكل مستويات الدعم وتوفير الخدمات، وبالعودة إلى العام 1969، أمر صاحب السمو المغفور له الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة (طيب الله ثراه) بإعادة بناء مأتم العلوي (القصاب) على نفقته الخاصة؛ إكرامًا للمرحوم السيد محمود السيد أحمد العلوي وعائلة العلوي، وتفضل المغفور له صاحب السمو الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة (طيب الله ثراه) وبرعاية كريمة بافتتاح مأتم القصاب صباح يوم الجمعة الموافق 19 فبراير من العام 1971، بحضور العلماء الأفاضل وأعضاء الحكومة ووجهاء العاصمة المنامة، حيث جاءت المشاركة الكريمة من لدن سموه الكريم ومن نهجه في تكريس الأسرة البحرينية الواحدة، والتي تمثلت في توجيه الحكومة  برئاسة رئيس الوزراء صاحب السمو الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة لإصدار توجيهاته المباركة للجهات الرسمية في الحكومة لتوفير كل الخدمات لإحياء المناسبات الدينية وتذليل الصعوبات والمعوقات التي قد تواجه هذه المناسبة.

الحرص على الاستمرار

ويستمر عطاء سمو رئيس الوزراء في نشر قيم حرية ممارسة الشعائر الدينية لجميع المذاهب والأديان، وها هي هيئة المواكب الحسينية وأعضاؤها يحظون باهتمام ومساندة سموه للحفاظ على إقامة هذه الشعائر، وكان سموه ولا يزال يوجه في كل عام، الوزارات والجهات المعنية بتوفير الأجواء المناسبة لإحياء ذكرى عاشوراء بكل أمن وأمان؛ لما لها من مكانة خاصة في قلب سموه.

هذه السيرة لسموه، حظيت بتثمين وتقدير المساحة التي تتمتع بها الطائفة الجعفرية في حرية ممارسة معتقداتها وإقامة الشعائر والتي تختص وتتميز بها مملكة البحرين عن باقي الدول العربية والإسلامية رغم الظروف السياسية والإقليمية، فتوجيهات سموه تصب دائمًا في الحرص على استمرار الذكرى امتثالًا لقول الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه الكريم “ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب” صدق الله العلي العظيم.

تأسيس الهيئة العامة          للمواكب الحسينية

تأسست الهيئة العامة للمواكب الحسينية العام 1375 للهجرة الموافق للعام 1953، إذ تم عقد أول اجتماعي تنظيمي لها مساء يوم الثالث عشر من محرم في ذلك العام، وكان الاجتماع بحضور أصحاب الفضيلة العلماء وأهالي المنامة من العوائل المعروفة والتي لها مكانتها الدينية والاجتماعية، إضافة إلى القائمين على إدارة شؤون مآتمهم التي بناها أجدادهم والذين بذلوا الكثير من أجل المحافظة على الشعائر الحسينية ومواكب العزاء وتخليد ذكر أهل البيت “عليم السلام”، خصوصا ذكرى استشهاد الإمام الحسين سبط الرسول محمد “صلى الله عليه وآله وسلم”، إذ تم الاتفاق في ذلك الاجتماع على تأسيس هيئة أو لجنة من رؤساء المآتم تشرف على تنظيم الاتفاق والإشراف على تنظيم سير وخروج المواكب وتحديد وقت خروج مواكب العزاء ضمن برنامج زمني متفق عليه بينهم، وبالتنسيق مع الحكومة في ذلك الوقت، فتم الاتفاق على تسمية هذه المؤسسة “هيئة المواكب” وتم تكوين لجان تنظيمية تشرف على سير المواكب.

أول رئيس للهيئة

وتم في ذلك الاجتماع تزكية المرحوم السيد كاظم السيد جعفر العلوي ليكون أول رئيس لهيئة تنظيم المواكب، وعقد أول اجتماع رسمي في مركز البوليس خانة (تسمية قديمة) وهو مركز شرطة باب البحرين حاليًا، وذلك بحضور رؤساء المآتم والمواكب وبحضور قائد الشرطة عبدالكريم بن جاسم والمقدم علي ميرزا وبعض المسؤولين في الحكومة؛ للحوار والتشاور على برنامج خروج المواكب، وتم في ذلك العام طباعة أول برنامج رسمي للعزاء في العاصمة المنامة، وكما يوثق التقرير، فقد كانت فترة رئاسة السيد كاظم العلوي لهيئة المواكب زاهرة بالتطوير والتنظيم لعمل الهيئة على الصعيد الرسمي والشعبي، وإعلان تأسيسها وتأكيد وجودها رسميًا في تنظيم شأنها والتزام الجميع بالقرارات الصادرة عنها في شأن تنظيم مواكب العزاء والخطابة، وكانت هذه الهيئة حلقة الوصل بين الحكومة ورؤساء المآتم والمواكب، ودامت فترة رئاسة السيد كاظم العلوي حتى العام 1994 أي لمدة 41 عامًا.

مؤسسو الهيئة

وكانت الهيئة تضم شخصيات ورؤساء مآتم في تلك الفترة وهم المرحومون: السيد سعيد السيد خلف، الحاج حسن المديفع، الحاج عبدالرسول التاجر، الحاج عبدالله أبو ديب، الحاج حسن عبدالرسول بن رجب، السيد كاظم السيد جعفر العلوي، الحاج أحمد بن محسن بن سلوم، الحاج منصور المنصور، الحاج عبدالرسول بن محمد، السيد عباس العلوي، الحاج أحمد النوخذة، الحاج حميد العريض، الحاج علي بوشهري، الحاج راشد العرادي، الحاج عبدالله بوهندي، الحاج حسن ابودريس، الحاج حسن الصفار، الحاج عبدالمحسن المخرق، الحاج أحمد مرزوق، الحاج جعفر سلمان بن خلف، السيد هاشم التوبلاني، الحاج عبدعلي الجشي، الحاج عبدالله الحلواجي، الحاج حسن بلجيك، الحاج محمد طاهر آل شريف، الحاج ميرزا التحو.

أول انتخابات الهيئة

عقدت أول انتخابات للهيئة العام 2003 بحضور جميع رؤساء المآتم والمواكب، وكانت النتائج حينها حصول السيد حسين السيد كاظم العلوي على 48 صوتًا من أصل 50 صوتًا، رئيسا للهيئة، فيما فاز بالعضوية كل من محمد عباس بلجيك نائبًا للرئيس، وفيصل صالح الخور أمينًا للسر، وعبدعلي أوال عضوًا، ومحمد تقي بوشهري عضوا، وتسلمت الإدارة المنتخبة مهامها في إدارة شؤون المواكب الحسينية، وفي ذلك العام، وبمبادرة من رئيسها السيد حسين العلوي تمت تسمية شارع الإمام الحسين عليه السلام، كما تم البدء بإنشاء عيادة لتقديم الخدمات الطبية للمشاركين والمعزين، وتفضل وزير العدل والشؤون الإسلامية آنذاك سمو الشيخ عبدالله بن خالد آل خليفة بافتتاح عيادة الإمام الحسين “ع” في العام 2004.

مسك الختام..أدوار كبيرة

ومع صدور المرسوم الأميري بإنشاء المحافظات، تم التنسيق بين الهيئة ومحافظة العاصمة وكان للمحافظ دورًا مهمًا في دعم حلقة التواصل والتنسيق والتعاون المسبق والمدروس؛ لتلبية احتياجات الهيئة وتسهيل سير المواكب وإقامة الشعائر الدينية الحسينية في جو يسوده الأمن والنظام، إذ عملت المحافظة بتوجيه ورعاية من وزير الداخلية على التنسيق مع جميع الجهات الحكومية والرسمية لتوفير الخدمات المطلوبة للمناسبة الجليلة، وكان لمتابعة رئيس الوزراء صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة بشكل دؤوب ومستمر، أثرًا كبيرًا في مسارات تطور إحياء ذكرى عاشوراء، ولعل الأبرز في مسك الختام، أن سموه ومن خلال أدواره الكبيرة للغاية، يختصر رسالة مهمة ستبقى مؤثرة وناصعة، وهي أن مكتسبات مملكة البحرين في حرية ممارسة الشعائر واحترام الأديان والمذاهب وكفالة الدولة لها، ما هي إلا حق للمواطن تفرضها المسؤولية الوطنية، وبهذا، يستمر العطاء والدعوات لكل من يمد الأيدي الكريمة في هذه الذكرى الإسلامية الخالدة.