+A
A-

فريد الملا... المصرفي المخضرم والعقاري المحنك

المال هو عصب الحياة، إذ يقوم به معاشهم ويصلح أمورهم، ولا يتم للأفراد ولا للأمم أمر إلا به، فإذا صفرت منه يد الفرد ضاقت عليه الأرض بما ربحت، وسدت في وجهه فجاجها. وإن خلت خزائن الدولة من المال ضعف شأنها، واستهان بها الجميع، وطمع فيها من يليها ومن يبعد عنها، وعجزت عن الدفاع عن نفسها، بل وتطوير مواهب بنيها وإسعاد مواطنيها. علم الاقتصاد الحديث اعتنى بالمال عناية فائقة، إذ أفاد الإنسان بطريقة كسبه من كل وجه مشروع، ونظم تداوله بين الناس، وإنفاقه في الوجوه المختلفة بحيث يبقي على استثماره واستمراريته، ويجرم إضاعته بغير نفع.

ومن هذا المنطلق اهتم الناس منذ وقت بعيد بدراسة العلوم الاقتصادية والمصرفية التي تُعنى بتداول الأموال وتنمية الأعمال على الوجه الذي يليق ببقائها وديمومتها.

ضيفنا هذه المرة خبير مصرفي محنك، وله باع طويل في قطاع البنوك والاستثمار، كان يرغب في العمل بمجال التدريس وشرع بدراسة الدكتوراه، إلا أنه قرر في آخر عام دراسي له أن هذا المجال غير مناسب له. يقول إنه دخل مجال العمل المصرفي بالصدفة، وتدرج فيه وتعلم منه الكثير خلال المشوار المصرفي، إذ بدأ العمل في بنك الخليج الدولي، ثم في بنك البحرين والكويت الذي ترقى فيه بالمناصب إلى أن أوصل إلى رئيس تنفيذي للبنك.  في أواخر العام 2007 قرر العمل بمجال الاستثمار وتأسيس شركة “أوسيس كابيتال” التي تعمل في مجال الاستثمارات المباشرة وغير المباشرة.   “البلاد” التقته وحاولت معرفة ما وراء نجاح تجاربه:

النشأة والدراسة:

أنا من مواليد العام 1951 بالبحرين، ودرست في مدارس المملكة ثم استكملت دراستي الجامعية في بريطانيا وحصلت على بكالوريس وماجستير في الاقتصاد والدكتوراه في العلاقات الدولية.

وكنت أفكر في ذلك الوقت بالعمل في مجال التدريس بالجامعة، ومن متطلبات ذلك أن يكون الشخص من حملة شهادة الدكتوراه، وهذا سبب مواصلة الدراسات العليا. ولكن قبل عام واحد من انتهائي من برنامج الدكتوراه زرت دولا خليجية لتجميع معلومات عن البحث هذا من جانب، وفي الجانب الآخر البحث عن فرص العمل واكتشفت أن التدريس بالجامعات لن يكون مناسبًا لي لأسباب عدة، فقررت وبالتشاور مع المرحوم والدي استكمال الدراسة، وبعد ذلك لكل حادث حديث.

بداية المشوار المهني

بعد أن رجعت إلى البحرين تقدمت إلى وزارة الخارجية للحصول على وظيفة ولم أتوفق فيها، وتقدمت للحصول على وظائف في جهات عدة، إلا أنني لم أحصل على وظيفة، أكرر هذا الأمر؛ لأن هذه المسألة تحدث اليوم مرارا ونسمع من أناس أن أيامنا كانت سهلة، لكن لكل جيل تحديات ويجب أن يمتلك الشخص الإصرار والعزيمة للمواصلة. قدمت بالصدفة للعمل في البنوك، حيث سألني أحد الأشخاص لماذا لا أتقدم للعمل فيها.

حصلت في ذلك الوقت على خيارين للعمل إما في سيتي بنك أو بنك الخليج الدولي، فقررت الالتحاق بالعمل في الأخير، وكان أيضًا خيار أهلي البنك نفسه؛ لأنه عربي، وكنت أيضًا أرغب في الابتعاث لدراسة الصيرفة في برنامج مع chase manhattan bank والبرنامج لمدة عام، وبالفعل سافرت إلى نيوريورك لمدة عام واستفدت الكثير من خلالها، وبعد عودتي استمررت بالعمل في “الخليج الدولي” حتى العام 1990، وفي هذه الفترة بدأت تتبلور لي رؤية الكثير من الأعمال المتنوعة في مجال العمل المصرفي، فشرعت في التعامل مع الشركات التجارية الكبرى، حيث كان البنك يعمل بمجال الجملة، ولديه معاملات مع الشركات الكبيرة في دول الخليج في نطاق البترول والغاز. في تلك الفترة، بدأت شركة “سابك” السعودية في إنشاء مصانعها الضخمة بمنطقة الجبيل، وكنت أزورها باستمرار مع الفريق الذي أعمل معه لترتيب القروض للشركات الكبيرة، وقد تعلمت الكثير، ثم أصبحت مسؤولا عن دائرة تمويل شركات الطيران.

وكان “الخليج الدولي” في ذلك الوقت أول بنك يرتب قروضا لشراء طائرات لشركة الخطوط الجوية الإماراتية عندما بدأت أعمالها في سنة 1989، وقد استخدمنا في عملية القرض “Japanese Tax lease” وذلك الوقت كانت ابتكارا في التمويل بالمنطقة.

وأيضًا عملت في مجال الاستشارات المالية واستطعنا في ذلك الوقت تحقيق فرص كبيرة للبنك، حيث كنا المستشارين الرئيسيين لتمويل توسعة الخط الثالث لمصهر شركة ألمنيوم البحرين “ألبا”، وكانت التكلفة آنذلك 1.7 مليار دولار، وكانت أكبر من الدخل القومي للبحرين، واستطعنا النجاح في تمويل التوسعة ومساعدة “ألبا” في توسعها الكبير.

  

الانتقال إلى “البحرين والكويت”

في سنة 1990 انتقلت للعمل في بنك البحرين والكويت، وبعد الانتقال بثلاثة أشهر حدث الغزو الجائر للكويت، وكانت الظروف صعبة جدًا وخصوصًا على البنك، وبدأنا نرى سحوبات مصرفية كثيرة.

واجه البنك في سنة 1987 مشكلات مالية كبيرة، فقامت دولة البحرين (آنذاك) عن طريق التأمينات الاجتماعية ودولة الكويت بضخ رأس مال جديد وعينتا إدارة جديدة، والتي بدأت بدورها في تعديل أوضاع البنك التي كانت صعبة للغاية في 1990، ثم بدأ يتحسن فيما بعد، وظهرت بوادر أن الأمور أخذت تترتب.

وكان العام 1990 صعبًا أيضًا على بنك البحرين والكويت الذي مُني بخسائر بلغت 25 مليون دينار، ويعتبر المبلغ في ذلك الوقت كبيرًا جدًا، لكن البنك استطاع بجهود الإدارة التنفيذية وعلى رأسهم مراد علي مراد التعافي مرة أخرى، وبدأ يلعب دورًا فاعلا وارتفعت ربحيته ثانية.

عينتُ بداية مسؤول عن الفروع الخارجية في الهند والكويت وأيضًا بالمكتب التمثيلي في الإمارات، ثم عينتُ كنائب المدير العام بالبنك في العام 1997.

 

في العام 2001 ترقيتُ رئيسًا تنفيذيًا للبنك حتى أواخر العام 2007.

خلال الفترة التي عملت فيها في بنك البحرين والكويت تعلمت الكثير أيضًا، وهنالك فرق كبير بين العمل في “الخليج الدولي” والبحرين والكويت”، إذ إن الأول يعمل بالجملة والثاني بالتجزئة، وشعوري بنبض السوق المحلية كان أكثر أثناء العمل في “BBK” الذي كان له صلة بأكثر سكان البحرين سواء المحليين أو الأجانب؛ صغار السن أو الكبار، التجار والموظفين؛ لأن منتجات البنك منتشرة في المملكة. واستطاع البنك لعب دور كبير في مساعدة المجتمع من نواح كثيرة.

وقد لاحظت أمرين عندما بدأت العمل في “البحرين والكويت”، أولهما أن وضعه كان صعبًا جدًا، فالإدارة الجديدة عندما استلمت العمل برئاسة مراد علي مراد منذ العام 1987 كما أذكر كان 80 % تقريبًا من القروض التي تعتبر أكبر أصول البنك، تكاد تكون معدومة، فكان يفترض أن يغلق البنك أبوابه، إذ لا يوجد أي أمل في بقائه إلا أن القيادة في البحرين والكويت قررت عمل كل جهد لإنقاذ البنك وبفضل إصرار الإدارة التنفيذية ومجلس الإدارة، أذكر اثنين، لعبا دورًا كبيرًا وهما إبراهيم الحمر الذي كان يشغل منصب مساعد وزير المالية آنذاك، وحسن الجلاهمة رئيس ديوان الرقابة المالية والإدارية حاليًا، إضافة إلى جهود الموظفين، هؤلاء جميعًا أصروا على تجاوز هذه المرحلة الحرجة، وأود أن أذكر أيضًا شخصية بارزة من الإدارة التنفيذية التي لعبت دورًا كبيرًا في إنجازات البنك، وهو أحمد البناء، وله بصمات من تنمية الموارد البشرية إلى تطوير الأعمال المصرفية في البنك في مختلف المجالات.

والأمر الثاني الذي أعجبني هو إصرار البنك على تنمية الموارد البشرية البحرينية، ولا أرى هذا الأمر في كثير من المؤسسات، حيث وصلت نسبة البحرنة إلى 95 %، وهذه النسبة في حد ذاتها ليست مهمة، ولكن هل تلعب دورا فاعلا وهذا ما يحدث بالفعل.

ووفقًا للمؤشرات والأرقام خرج 8 أو 9 موظفين من “البحرين والكويت”، وأصبحوا رؤساء تنفيذيين، لا أقول إنهم رؤساء تنفيذيين جيدين بحسب أدائهم، فهذا يخضع لتقييم السوق، لكن يتضح أن هذه المؤسسة تخلق كوادر قيادية بهذه النسبة، وبالمقارنة نجد أن بنك البحرين الوطني خرج منه قيادي واحد، هذه مجرد وجهة نظر.

إلى جانب تنمية الموارد البشرية البحرينية في “البحرين والكويت”، أيضًا من ناحية أخرى هناك تحديث للمعاملات المصرفية، إذ شهد البنك نموًا فيها، وهو أمر عجيب أن يتفوق في هذا المجال لوجود بنوك أجنبية عملاقة في السوق. وعندما كنت رئيسًا تنفيذيًا للبنك كنت أخشى أن نصبح تحت ضغط كبير إذا قررت البنوك الأجنبية أن تلعب دورا أكبر في البحرين، ومع ذلك جاءت غالبية الريادة في المنتجات الجديدة بالسوق من “البحرين والكويت” خصوصًا من ناحية التقنية والمعلومات والخدمات المصرفية الإلكترونية، وهذه الأمور توحي أن الإدارة التنفيذية للبنك لديها رؤية لمستقبل البحرين والقطاع المصرفي.

في العام 2001 عندما تحدث معي الأخ حسن الجلاهمة لأصبح الرئيس التنفيذي لـ BBK أجبته بالشكر وإخباره أنه ليس لدي رغبة بمواصلة العمل في البنك، فسألني أين ترغب أن تعمل، فأخبرته أنني أفكر بالخروج من مجال العمل المصرفي والعمل بإدارة سلسلة من الفنادق، وحتى الآن أذكر رده عليَّ أنني لا أملك خبرة، فأيدت كلامه، لكن قلت له لدي خبرة في الإدارة.

شعرت وقتها أنني بحاجة للتغيير، وفي تلك الفترة تحدث معي الأخ الجلاهمة طويلا، فأمعنت التفكير في الموضوع، ومن ثم اتخذت قرارا بالبقاء في البنك العام 2001، لكنني كنت أشعر أنني بحاجة لعمل شيء جديد يختلف عن المجال الذي أعمله فيه. ظللت في بنك البحرين والكويت ولاءً للبنك والإخوة العاملين معي، وكنتُ أفكر بالبقاء لمدة سنتين فقط، إلا أنها أصبحت سبعًا؛ بسبب الانشغال بالعمل، إلى درجة أنني أنسى التفكير بنفسي.

 

العمل بالمجال الاستثماري

وفي أواخر العام 2007، قررت الخروج من BBK ومزاولة العمل في مجال مختلف ألا وهو المجال الاستثماري، فالتحقت بالعمل في شركة أوسيس كابيتال.

عندما دخلت مجال التجزئة تعلمت من العاملين بالمؤسسة وطورت نفسي، وحدث ذات الأمر عندما دخلت المجال الاستثماري، وهذا درس لكل من يدخل سوق العمل لا يتوقع أن تعلمه المؤسسة وحسب - رغم أن هذا ما يفترض أن يحدث - بل يجب أن يبني نفسه والشهادة غير كافية يجب أن يطور نفسه بنفسه، وأن يكون مطلعًا.

شركة أوسيس كابيتال أسسناها، ولا تزال هذه المؤسسة قائمة، وركزنا في البداية على الاستثمار في العقار والاستثمار المباشر. أما اليوم، فإننا نركز على الاستثمار المباشر في أوروبا وأميركا فقط، والنشاط يسير بطريقة سليمة وأمورنا مطمئنة.