+A
A-

ثلاثة عقود من التعاون الاستراتيجي المتميز بين مملكة البحرين وروسيا الاتحادية على كافة المستويات

تشهد علاقات الصداقة التاريخية الوطيدة والتعاون الثنائي بين مملكة البحرين وروسيا الاتحادية الصديقة، تطوراً ملحوظاً على جميع المستويات السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية والثقافية والعلمية والتكنولوجية وغيرها من مجالات التعاون، والتي وصلت إلى مستوى التكامل والشراكة الاستراتيجية الرفيعة.

وقد شهد مستوى التعاون الثنائي بين البلدين الصديقين العديد من مراحل النمو المطرد عززتها الزيارات الرسمية التي تفضل بها حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المعظم حفظه الله ورعاه، وصاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء حفظه الله، إلى روسيا الاتحادية، ما أكسب هذه العلاقات المتميزة زخماً سياسياً ودبلوماسياً متصاعداً، وحقق مزيداً من التقارب والتفاهم بين البلدين على كافة الأصعدة، وانعكس بدوره على مجمل المواقف والرؤى المشتركة للبلدين حيال العديد من القضايا والتحديات الإقليمية والدولية وعلى رأسها الجهود المبذولة لإحلال السلام العادل والشامل في منطقة الشرق الأوسط، والحفاظ على الأمن والاستقرار الإقليمي، ومكافحة الإرهاب والجريمة، وحماية حقوق الإنسان، وتحقيق التنمية المستدامة، إضافة إلى نجاح مملكة البحرين في تقديم تجربة نموذجية وعالمية للتسامح والانفتاح والتعايش بين جميع الأديان، والمذاهب، والأعراق، والثقافات.

زيارات رسمية رفيعة أسست لعلاقات راسخة

حرص جلالة الملك المعظم، حفظه الله ورعاه، منذ توليه مقاليد الحكم قبل خمسة وعشرين عاماً، على الدفع بالعلاقات البحرينية الروسية قدماً، وخصّ روسيا بالزيارة خلال سنوات الحُكم الأولى، وذلك في إطار النهج الدبلوماسي الحكيم الذي أسسه جلالته لمسارات التنمية في عهده الزاهر، وتميزت به طبيعة العلاقات الخارجية للمملكة مع الدول الشقيقة والصديقة القائمة على الاحترام والتعاون المتبادل والمصالح العليا المشتركة.

وجاءت الزيارة الرسمية الأولى لجلالة الملك المعظم إلى العاصمة الروسية موسكو عام 2008، وحملت معها خصوصية كبيرة، حيث ألقى جلالته خلالها كلمة تاريخية مثلت خطة عمل رئيسية ومستقبلية لتطوير مسار العلاقات المشتركة بين البلدين نحو آفاق جديدة وواعدة لتدعيم أواصر التعاون والشراكة الاستراتيجية المتعددة.

بعدها تلت تلك الزيارة المهمة، زيارتان قام بهما جلالته عام 2014 و 2015، وزيارة عام 2016، إلى جانب زيارة عمل رسمية قام بها صاحب السمو الملكي ولي العهد رئيس مجلس الوزراء حفظه الله في أبريل عام 2014 بهدف تعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدين.

وشكلت تلك الزيارات لبنات قوية في أساس العلاقات الصلبة، التي نمت وتعاظمت من مرحلة التعاون إلى الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، بفضل حزمة مذكرات التفاهم والاتفاقيات وبروتوكولات العمل المشتركة التي جرى التوقيع عليها خلال الزيارات التي تفضل بها جلالة الملك المعظم حفظه الله ورعاه إلى روسيا الاتحادية، والتي بلغت في مجملها (44) اتفاقية وبروتوكول ومذكرة تفاهم.

وتأتي الزيارة الرسمية التي يقوم بها حاليًا حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المعظم حفظه الله ورعاه، إلى روسيا الاتحادية الصديقة، بناء على دعوة من فخامة الرئيس فلاديمير بوتين، تتويجاً وتعزيزاً لمسار علاقات الصداقة والتعاون المشترك بين البلدين الصديقين، والتي من المقرر أن تشهد إجراء مباحثات مستفيضة بين جلالة الملك المعظم وفخامة الرئيس الروسي وكبار المسؤولين تتناول سبل تنمية وتطوير علاقات التعاون الثنائي بين البلدين الصديقين، وتطورات الأوضاع الإقليمية والدولية الراهنة، ونتائج ‎أعمال اجتماع مجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة في دورته العادية الثالثة والثلاثين التي استضافتها مملكة البحرين في 16 مايو الجاري.

44 اتفاقية لتوطيد مسار الشراكة الثنائية

مثلت الزيارة التي قام بها جلالة العاهل المعظم إلى العاصمة الروسية موسكو في سبتمبر 2016 أهمية كبيرة على صعيد تعزيز الشراكة الاقتصادية، وفتح آفاق جديدة لتوسعة التبادل التجاري والاستثماري بين البلدين، حيث شهد كل من جلالة الملك المعظم وفخامة الرئيس فلاديمير بوتين رئيس روسيا الاتحادية مراسم التوقيع على عدة اتفاقيات ومذكرات تفاهم بين البلدين لعل أبرزها اتفاقية إنشاء اللجنة الحكومية المشتركة حول التعاون التجاري والاقتصادي والعلمي والتكنولوجي - واتفاقية بشأن التعاون العسكري- ومذكرة تفاهم بين الشركة القابضة للنفط والغاز بمملكة البحرين وشركة روس جيولوجيا الروسية بشأن الشراكة في مجال أعمال المسح الجيوفيزيائي لأغراض استكشاف وإنتاج النفط والغاز.

وفي هذا الخصوص لعبت اللجنة الحكومية المشتركة حول التعاون التجاري والاقتصادي والعلمي والتكنولوجي ومجلس الأعمال البحريني الروسي دوراً كبيراً في تحقيق التقارب بين البلدين على المستويات الاقتصادية والعلمية والثقافية والتكنولوجية والاقتصاد الرقمي ومجالات ضمان وحماية الاستثمار والطاقة والقضاء والفنون والسياحة وعلوم الفضاء، فضلاً عن تسهيل السفر والعبور ومنح تأشيرات الدخول لمواطني البلدين تعزيزاً للتعاون السياحي البيني، وبما يصب في تحقيق مستهدفات الاستراتيجية الوطنية لوزارة السياحة باستقطاب نحو 14 مليون سائح بحلول 2026م.

وتنظر مملكة البحرين إلى روسيا الاتحادية الصديقة باعتبارها قطباً محوريا في النظام العالمي، وقوة كبرى ووازنة قادرة على تحقيق السلم والأمن الدوليين، وشريكا استراتيجيا مهماً.

كما تنظر روسيا الاتحادية لمملكة البحرين على أنها شريك استراتيجي موثوق ويعوَّل عليه في جهود السلام والتنمية المستدامة، كما أن البحرين وباعتبارها أحد موانئ العالم القديم، تمثل لروسيا بوابة رئيسية اقتصادية وتجارية إلى دول الخليج العربية، ونافذة على سوق استهلاكي ضخم، بما تتميز به من بيئة أعمال جاذبة للتدفقات والفرص الاستثمارية العالمية، وما تملكه من موقع استراتيجي، وبنية تكنولوجية ورقمية حديثة، وتسهيلات تنظيمية وحوافز تشجيعية يجعلها موقعاً لوجستياً مثالياً ومركزاً إقليمياً للشركات والأعمال المصرفية والاستثمارية الروسية ومنها إلى منطقة الخليج.

تاريخ ممتد وعريق من العلاقات الوثيقة بين مملكة البحرين وروسيا الاتحادية الصديقة يعود بصفحاته الطويلة إلى القرن العاشر الميلادي، إبان توافد المبعوثين إلى البحرين وشبه الجزيرة العربية فيما سُمي بـ " الدبلوماسية البحرية "، واستطاع أن يعبر بالعصور من مياه المحيط القطبي المتجمد إلى مياه الخليج الدافئة ليعود في رحلة إياب عنوانها "السلام" يحملها جلالة الملك المعظم رئيس الدورة الحالية للقمة العربية، ليؤسس من خلالها نقطة ارتكاز راسخة في مستقبل مسارات شراكةٍ استراتيجية تتطلع الى المستقبل واستدامة التنمية والرخاء والازدهار لما فيه خير وصالح شعبي البلدين الصديقين والمنطقة العربية بأسرها.