لستَ مثقفًا لأنك قرأت حفنة من الكتب، ولست كذلك لأنك تعرف شيئًا عن كل شيء، أنت لست مثقفا لأنك تحضر الندوات والأمسيات الثقافية فحسب، كما أن تخصصك الجامعي أيا كان لا يضعك في قائمة المثقفين، لا تدعي الثقافة فحبل ادعائك قصير.
الثقافة سلوك حضاري معرفي مقترنٌ بفعل إنساني متحضر، والمثقف هو من يملك دراية واسعة بشتى صنوف المعرفة، وهو المتتبع النهم لكل ما يجري من حوله على نطاق معلوماتي واسع وبإمعان بحيث يمكنه التحاور والنقاش والإقناع بإعطاء مبررات معرفية منطقية مستقاة من خزينة معلوماته. ليس بالضرورة أن يكون المثقف حاصلًا على شهادات عليا؛ فمشهور المثقفين كعباس محمود العقاد وجبران خليل جبران وغيرهم المئات ممن لم ينالوا شهادات جامعية، لكنهم أدهشوا العالم بغزارة فكرهم وعمق ثقافتهم التي كانت ولا تزال تنير لنا الطريق وتهدينا السبل.
بعض المثقفين كالكُتّاب والروائيين ملأوا الدنيا شهرة وهم يحملون شهادات جامعية؛ بيد أنهم لا يملكون من الثقافة شيئًا، أبرقوا القُراء ببعض نتاجهم وأرعدوهم بكتابٍ أو أكثر، كزوبعةٍ في فنجان، ثم فشلوا في الحفاظ على مراكزهم ومكانتهم التي وضعهم الناس فيها، حين عرّتهم المواقف فأظهرتهم على حقائقهم التي أفشت جهلهم وفقرهم لمقومات الثقافة الأساسية التي ينبغي أن يمتلكها أي مثقف أولها “الانفتاح وعدم التعصب للرأي”.
إن كنتَ مثقفًا فأنت حيادي لا تكره، لا تحقد، لا تنافق، لا تحاول الإطاحة بوجهات نظر الآخرين، ولا تتعامل معهم بعنصرية أو طائفية. لست مثقفًا حين تمتدحُ نفسك؛ لكأن مصداقيتك أمرٌ مفروغٌ منه.. مُدّعٍ لا هم لك سوى استجلاب المدح والتبجيل من الآخرين. إن كنتَ مثقفًا حقًا؛ فستجبر الآخرين على الاستماع إليك، وستأخذهم لعوالم حقيقية وليست زائفة.
أنت إذًا لا تعدو كونك متعلمًا، وشتان بينك وبين المثقف؛ لأن المتعلم هو الإنسان الذي يجيد الخوض بتفاصيل علمية وعملية في حقل تخصصه الذي يبرع فيه لا أكثر؛ فالمدرسة والجامعة تعلمان ولكنهما لا تثقفان بالضرورة.
كاتبة بحرينية