العدد 5674
السبت 27 أبريل 2024
banner
ضمائر حية.. وضمائر ميتة
السبت 27 أبريل 2024

في الوقت الذي يتابع فيه العالم مشاهد من الإبادة الإسرائيلية اليومية المروّعة في قطاع غزة، والتي يذهب ضحاياها الأطفال والنسوة بالدرجة الأولى، وقد دخلت شهرها السابع، بكل أشكالها - قتلاً وتجويعاً، والحيلولة دون تطبيب المصابين بتدمير المستشفيات ومحاصرتها، وقتل من فيها من مرضى وأطباء، ومن ذلك اكتشاف جثامين لمئات الشهداء الذين تم دفنهم أحياء ومقيدي الأيدي في مجمع الشفاء، فضلاً عن مئات الجثامين التي تم انتشالها من مقابر جماعية في مستشفى ناصر.. نقول: في الوقت الذي يجري فيه كل ذلك، ينتاب المرء أشد العجب وتساوره الشكوك – عبثاً - عما إذا كانت الدوائر الحاكمة في الإدارة الأميركية تشاهد حقاً تلك المقاطع والصور المفزعة التي تقشعر لها أبدان الحجر قبل البشر، فإن كانت تشاهدها حقاً فلا تفسير لذلك سوى أنها ضربت رقماً قياسياً غير مسبوق في تحجر ضمائرها المريضة!
وعلى النقيض من تلك الضمائر الميتة في مراكز صنع القرار السياسي يتابع العالم بإعجاب الانتفاضات الطلابية الأميركية العفوية السلمية المشروعة التي تجتاح أكبر وأرقى الجامعات الأميركية مطالبة بوقف الإبادة ومنادية بالحرية لفلسطين، مدفوعة في ذلك من ضمائرها الإنسانية الحية التي هزتها تلك المشاهد المفزعة هزاً، في حين تتواصل في الكونجرس حملة التحريض ضد الأساتذة الجامعيين، سواء كانوا من ذوي الضمائر الحية المتعاطفين مع ضحايا الإبادة الجماعية، أو المنددين بالانتهاكات الفظة لاستقلال الجامعات والحريات الأكاديمية، ولم يكتفِ مجلس نوابه بتحويل قاعته إلى محاكمات لأولئك الأساتذة ومديري الجامعات هي أقرب إلى محاكم التفتيش، بل امتد سُعار الحملة ليتم انتهاك أحرام الجامعات وفض مخيمات الطلبة، واعتقال العشرات منهم بفظاظة ووحشية، ومن بينهم طلبة يهود. وبالتزامن مع ذلك لم تتورع واشنطن عن استخدام “الفيتو” في مجلس الأمن لإحباط قرار تقدمت به الجزائر لمنح فلسطين العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، حتى بلغ عدد مرات استخدامها التعسفي للفيتو ضد القضية الفلسطينية منذ مطلع السبعينات 46 مرة.

والحال أن الأنظمة الغربية، وعلى رأسها النظام الأميركي، ما عادت ديمقراطيتها بآلياتها المتقادمة الخاضعة لسيطرة الطبقات الحاكمة تُعبّر عن ضمائر شعوبها كما ذكرنا ذلك مراراً. وعندما تتمكن هذه الطبقات من السيطرة المزمنة على قواعد اللعبة بآليات العمل الديمقراطي، ويتوطد اليأس المزمن من جدواها في نفوس الأغلبية العظمى من شعوب الدول الغربية، فعندئذ يخلو الجو للدوائر الحاكمة لتلعب على طريقة ما عبّر عنه الشاعر طرفة بن العبد: “يالكِ من قُبَّرة بمعمرِ.. خلا لكِ الجو فبيضي واصفري”. وهنا لا عجب من تحجر ضمائر دوائر صنع القرار السياسي، ذلك أن مصالح الطبقات الأميركية الكبرى التي تُعبّر عنها تلك الدوائر تغدو مقدسة ومُقدمة على أية اعتبارات إنسانية.

كاتب بحريني

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .