العدد 5660
السبت 13 أبريل 2024
banner
الغرب والثورات الغائبة
السبت 13 أبريل 2024


أكبر الظن أنه لم يخطر ببال المراقبين والمحللين والكتّاب - أجانب وعربا - المهتمين بتطورات حرب الإبادة الإسرائيلية على سكان قطاع غزة منذ ما ينوف على نصف سنة، أن يقارن أحجام المظاهرات والمسيرات التي ما برحت مستمرة منذ عدة أشهر في العواصم والمدن الغربية احتجاجاً على تلك الحرب، بأحجام المظاهرات والمسيرات التي اندلعت في الأعوام القليلة الماضية في العواصم والمدن الغربية نفسها من أجل قضايا معيشية وصحية وتعليمية متعددة وخلافها، ذلك أن عدداً غير قليل من تلك المظاهرات الغربية المنددة بمواصلة إسرائيل حربها الوحشية على القطاع يفوق حجم المظاهرات والمسيرات التي اندلعت لأسباب معيشية واجتماعية داخلية، وفي أسوأ الظروف احتمالاً فإنها توازيها في الأحجام. ما معنى ذلك؟ هذا يعني أن ثمة مغزى لهذه الظاهرة يدل على أن شرائح واسعة من الشعوب الغربية إنما تتحلى في كثير من الأحيان بضمير أُممي إنساني في التعاطف مع القضايا الإنسانية- كقضية غزة - بحيث نجد احتجاجاتها ترتقي فوق أولوية قضاياها المعيشية والاجتماعية اليومية أو توازيها في الاهتمام والأولوية. لسنا هنا بطبيعة الحال في وارد أن ننكر ما لهذه الأشكال المتعددة من الاحتجاجات من تأثير على حكومات بلدانها، بيد أن هذا التأثير مازال محدوداً أو ما فتئ بطيئاً! فما السبب أو العلة وراء ذلك؟
العلة تكمن باختصار شديد في أن الطبقات الحاكمة في البلدان الرأسمالية الغربية إذ سرقت ثورات شعوبها منذ قرنين ونيف أو أكثر، فإنها لم تكتسب خبرات مديدة في الخداع والتكيّف عند حدوث خضات سياسية فحسب، بل الأخطر من هذا أنها اكتسبت بفضل تلك الخبرات قاعدة اجتماعية عريضة تدين لها بالولاء في مصالحها، وإن تكن هذه القاعدة رجراجة ومتغيرة أحياناً، كما اكتسبت إعلاماً بقدرة فائقة على التلون والظهور بمظهر الاستقلالية المرائية التي لا تشكل تهديداً فعلياً لوجود تلك الأنظمة، والأخطر أنها اكتسبت آليات دستورية أو عُرفية لتأطير تلك الديمقراطيات الغربية المفصلة على مقاساتها بحيث لا تطيح بأنظمتها.
ولا شك بأن هذه الأوضاع المتقادمة منذ عقود طويلة تفرض حاجة هذه الشعوب الماسة لثورات حقيقية، وليس مجرد خضات آنية دورية لتعود الأوضاع كما كانت قبلها، بل تتفاقم، بل هي بحاجة إلى زلازل تتحول إلى براكين غضب تفضي إلى تقويض أنظمتها، مهما تكن الأثمان الباهظة التي ستدفعها نظير تلك البراكين. لكن على الشعوب الغربية ألا تتوهم بأن هذه الثورات ستتفجر من تلقاء نفسها، كنظرتها للغيوم الواعدة بأمطار تدر مدراراً، ذلك أن مثلما للثورات قوانينها الموضوعية فلها أيضاً قوانينها الذاتية الاجتماعية، فما لم تكن الشعوب الغربية نفسها مهيئة للانتفاض على أوضاعها، وما لم تكن متسلحة بحد أدنى من الوعي بمصالحها، وعلى درجة من الوعي المعمق بها، فلن تحدث الثورات أو البراكين من تلقاء نفسها. ومما لا ريب فيه أن هذا الوعي بحاجة هو الآخر إلى جرأة وإقدام لتطوير تمرداتها الحالية وتوسيع عصيانها على واقعها، وهذا لن يتحقق ما لم تخرج من بين صفوفها قوى طليعية تمثل أوسع الشرائح الاجتماعية المتضررة من الوضع القائم لترشدها وتقودها إلى خريطة طريق مدروسة لتحقيق التغيير الجذري، سواء من خلال تحقيق إصلاح راديكالي أشبه بالثورة من داخل تلك الأنظمة، أو من خلال ثورة اجتماعية شاملة، وهذا بحاجة لتغليب الشرائح الاجتماعية وقواها السياسية مصالحها المشتركة على تناقضاتها الثانوية.

كاتب بحريني
 

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .