العدد 5656
الثلاثاء 09 أبريل 2024
banner
مقترحاته لإنهاء الأزمة اللغوية 
الثلاثاء 09 أبريل 2024

كتب طه حسين في مرات عديدة عن الحالة المزرية المزمنة للغتنا العربية مؤكداً على الحاجة الضرورية الملحة لإنهائها لكي تستجيب لسنن التطور وتواكب متغيرات العصر الهائلة من جميع النواحي العلمية والتكنولوجية والثقافية والاجتماعية وغيرها. ومع أنه وضع مقترحات محددة لحل الأزمة اللغوية إلا أنه ظل من أشد المدافعين عن الفصحى حتى في ظل غياب إصلاحها رافضاً الدعوات المنادية بإحلال العامية محلها، بل لم يتوان عن التصدي في كثير من أعماله النقدية للأدباء الذين يقعون في أخطاء لغوية أو نحوية وعدّها ضمن ما ينتقص من تلك الأعمال.وإذا شئنا الحق فإن أغلب تلك الأخطاء النحوية التي نبّه عليها العميد الأدباء الشباب،إنماهي ناجمة من تخلف حال لغتنا نفسه وعسر هضم قواعدها المتقادمة جداً والتي فرضت ذلك التخلف اللغوي ردحاً من الزمن، وهنا تكمن المفارقة.
ويمكن القول أن رسالته الموجهة إلى صديقه محمد حسين هيكل (وزير التعليم عام 1938) والتي عرض فيها باختصار واف أبرز معضلات اللغة كانت من أكثر كتاباته في إصلاح اللغة دقةً ونضجاً، لا بل هي تنم عن سعة أفق مبكرة لديه إزاء القيود اللغوية والنحوية التي تكبل مئات الأدباء والمثقفين المصريين عن انطلاقة إبداعاتهم بحرية كاملة، مثلها في ذلك مثل القصيدة العمودية التي كانت تُقيّد الشعراء الشباب عن انطلاقتهم الإبداعية ما حملهم على التمرد عليها من خلال مابات يُعرف ب " الشعر الحر"، في حين أن "أكليروس مجامعنا اللغوية"- إن جاز لنا التعبير- ما زالوا عاجزين عن القيام بثورة إصلاحية مماثلة على قيود لغتنا القديمة المتقادمة، رغم مرور عقود طويلة على تأسيس تلك المجامع.ففي رسالته المشار إليها يحدد حسين جانبين للإصلاح اللغوي: الأول يتعلق بتيسير النحو وجعله ملائماً لطبيعة العصر، والثاني يتعلق بإصلاح الكتابة العربية، بحيث يعصم هذا الإصلاح القراء من الأخطاء فيقرأوا الكلام كما أراد صاحبه أن يكتبه، وكما يحب صاحبه أن يقرأه الناس على حد تعبيره، لا بل أنه ربط مصير تطور اللغة بحل ذينك الجانبين،كما أكد العميد جازماً بأن شبابنا هم أدنى من المستوى المتوسط في معرفة اللغة الفصحى،دع عنك أسرارها ودقائقها. ويستطرد العميد في رسالته بأنه في تقرير رفعه إلى أحد وزراء التعليم السابقين نوّه فيه بأن النحو الذي نعلّمه التلاميذ والطلبة هو  عينه النحو الذي كان يُعلّم في البصرة والكوفة قبل أكثر من ألف عام، وأن العلوم كلها تطورت وتغيرت أصولها وقواعدها ومناهج تعليمها والبحث عنها إلا علوم اللغة. 
وفي توجيه مبطن بكلامه إلى " أكليروس اللغة" يضيف: " فهم ظنوا النحو هو اللغة، وأن تغيير قواعده تغيير للغة وإفساد لها، ومن حيث أن اللغة العربية هي لغة القرآن والسنة المطهرة فينبغي أن ترتفع عن التغيير والتبديل ...". ويفنّد العميد هذه الذريعة قائلاً:  أن اللغة العربية نفسها خلال تاريخها الطويل جرى تطويرها غير مرة منذ نزول القرآن دون أن يمس هذا التطوير لغة القرآن والحديث، علماً بأن النحو نفسه لم يُبتكر إلا في أوائل الحضارة العربية الإسلامية، أي بعد نزول القرآن وتدوين الحديث. ويؤكد طه حسين ما من علوم يبغضها "الفتى المصري" من بين كل العلوم التي يتعلمها كبغضه للنحو والصرف والمعاني والبيان والبديع، وذلك؛ " لأن هذه العلوم لا تتصل بنفسه ولا تتحدث إلى عقله ولاتلائم طبعه ومزاجه وإنما هي ألغاز لا تُفهم أو سخف لا يستطيع أن ينظر إليها نظرة الجد". واللافت هنا أن طه حسين يخاطب الوزير هيكل عن مشكلات اللغة العربية و جمودها وعدم مسايرتها للعصر بمعزل عن حالها المماثل في سائر البلدان العربية !
و بدا العميد في رسالته وكأنه يبسّط حل تلك المشكلات التي تنوء بحملها الجبال، إذ خلص إلى القول إلى أنه يقترح: " أولاً أن تؤلف لجنة صغيرة تُكلف تبسيط النحو ورفع ما تنتهي إليه من هذا التبسيط إلى معاليكم لتروا رأيكم فيه ولتعرضوه إن شئتم على هيئة أوسع وأشد تنوعاً من هذه اللجنة. وثانياً أن تستشيروا في مسألة إصلاح الكتابة طبقات مختلفة من المشتغلين باللغة العربية وعلومها فيستشار الأزهر وتستشار دار العلوم وتستشار الجامعة ويستشار المجمع اللغوي.". وإذا كان الأستاذ الراحل فاروق شوشة الأمين العام للمجمع اللغوي بالقاهرة صرّح ذات مرة بأن اللغة أخطر من أن تُترك للغويين، فلعلها أخطر بكثير أن تتُرك للجنة، وقالت العرب في عصرنا: إذا ما أردت أن تقتل مشروعاً مهما فأوكل أمره للجنة. 
ومع أن طه حسين اقترح أن تُعرض ما تتوصل إليه اللجنة والهيئات المتعاونة معها من نتائج في مسابقة عامة في مصر وبلدان المشرق والمغرب العربيين إلا أن هذا الاقتراح بدا أقرب …

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .