+A
A-

"ست شخصيات تبحث عن مؤلف" نظرية فلسفية معاصرة

المتعمق للمسرحية الشهيرة " ست شخصيات تبحث عن مؤلف" للكاتب الايطالي لويجي بيرانديللو، سيجد أنها تعكس حقيقة كل العصور التي مرت بها البشرية بصدق شديد، بما فيها عصرنا الحالي، فبالرغم من إن المسرحية عرضت لأول مرة في روما عام 1922 وقدمت في معظم مسارح العالم على يد مخرجين أصحاب مدارس مختلفة، تماما مثل العزف السيمفوني، فالسيمفونية واحدة إلا ان وجهة نظر المايسترو تجاه العمل كله تؤثر حتما في طريقة العزف من ناحية أو أخرى. إلا أنها حافظت على صورة الشمس الملتهبة في نفوس البشر شكلا ودلالة وهذه روعة الأدب الكلاسيكي القديم.

بيرانديللو قال عن هذه المسرحية انه بها " يتحدى الواقع " وهذا التحدي للواقع انحصر في وجود ست شخصیات جاءت إلى أحد المسارح أثناء فترة تدريب الممثلين على إحدى المسرحيات، وطلبت الشخصيات الست من المخرج أن يؤلفهم أن يخرجهم إلى حيز الحياة. انهم ست شخصيات متكاملة،كل منها تضيف إلى الأخرى ما يكملها. أسرة من أب وأم وأولاد أربعة، ومأساتهم متكاملة،مأساة حقيقية، ولا يستطيع أحد من أفراد الأسرة أن يكتب المأساة أو ان يخرجها، ان الشخصية نفسها لا تستطيع ذلك. ان الشخصية لا يمكن أن تظهر إلى الحياة إلا خلال المؤلف.

وبهذه الطريقة يتحدى بيرانديللو الواقع، وفي هذا التحدي الذي يقفز بالمسرح خطوة كبيرة كان من نتيجتها ولا شك هذا التحول الخطير في المسرح الحديث، ولكن بيرانديللو لم يكن يقصد إلى التحدي في حد ذاته، بل إننا نعرف فلسفة بيرانديللو خلال ذلك، وفلسفته واضحة، ومعروفة، فان الحقيقة ليس لها وجه واحد، بل عدة وجوه، وهى لها عدة وجوه لأنهـا نسبية. الحقيقة نسبية. فالشيء الواحد الذي أراه أنا أراه من خلالي وتراه من خلالك أنت. ان هـذا الشيء ليس له قيمة خارج حدودنا ويكتسب هذه القيمة خلالنا وهو لا يكتسب قيمة واحدة بل يمكن يكتسب عدة قيم تبعا لتعدد وجهات النظر.

عندما نعيد قراءة الأعمال الكلاسيكية سواء في المسرح أو الرواية أو القصة، سنكتشف ان القواعد قد تختلف وتتغير بالمثل من وسيط إلى أخر، والقارئ الذكي هو من يعرف ذلك، فالأعمال المسرحية الكلاسيكية التي كتبها شكسبير ومولير وغيرهم، ليس هدفها الترفيه فحسب، وإنما أيضا تقريب الجمهور من المعارف المتنوعة والنظريات الفلسفية المعاصرة وحاجتنا إليها.