العدد 5649
الثلاثاء 02 أبريل 2024
banner
الأنانية المقدسة
الثلاثاء 02 أبريل 2024

"العالم ليس إلا ساحة صراع الجميع ضد الجميع، وعلى اليهود أن يتعلموا ذبح الآخرين من الأغيار".. هذه هي رؤية منظر الصهيونية الأشهر فلاديمير جابوتنسكي الذي أطلق عليها اسم "الأنانية المقدسة" منطلقا من فكرة أن الإنسان لديه القدرة على صناعة المستقبل بإرادته. وجابوتنسكي المولود في روسيا لأسرة فقيرة بدأ نشاطه الصهيوني بحضور المؤتمر الصهيوني السادس عام 1903، كان متطرفا في طرح أفكاره وأعلن منذ البداية أن هدف الصهيونية تحويل أرض إسرائيل ومن ضمنها شرق الأردن إلى كومنولث يهودي تحكمه قومية يهودية دون تبرير ذلك لأحد. كان جابوتنسكي مؤمنا بالشعب اليهودي رغم عدم إيمانه باليهودية، يقول: الشعب اليهودي هو المعبد الذي أتعبد فيه! وإنقاذ هذا الشعب يكون بإخلاء أوروبا من اليهود تماما ونقلهم إلى فلسطين ليفرضوا أنفسهم بالقوة كأغلبية سكانية. لتحقيق ذلك لابد من الدعم الغربي، الحكومات الغربية التي تضطهد اليهود ستساعد في نجاح هذه الخطة، والشعب اليهودي الذي فشل في الاندماج في حضارة الغرب سينجح في أن يكون جزءا من الاستعمار الغربي للمنطقة، لأنه جزء من هذا التقدم. اليهود سيصلون إلى فلسطين باعتبارهم الجنس المتفوق ومن ثم فلا حقوق للعرب المتخلفين.
ويذكر دكتور عبدالوهاب المسيري أن جابوتنسكي لعب دورا أساسيا في تنظيم كتائب الهاجاناه لمواجهة الفلسطينيين عام 1920، وتبنى سياسة الردع النشيط لإرغام العرب على الاعتراف بالوجود اليهودي. وبوحي من أفكاره قاموا بإلقاء القنابل على الفلسطينيين لخلق ما سماه "الواقع الجديد". هذه الأفكار المتطرفة أصبحت محور السياسة الإسرائيلية لدرجة أنها تزعم أن ما تقوم به من عمليات إجرامية ليس دفاعاً عن إسرائيل فقط، إنما حماية للمصالح الغربية ضد القومية العربية. جابوتنسكي كان فجا وهو يطالب الحركة الصهيونية بأن تعلن بكل وضوح هدفها بإنشاء دولة يهودية، وعلى العرب أن يعرفوا ذلك، فالمشروع الصهيوني سيتم بكل بساطة لأنه مشروع استعماري كبير.
آراء جابوتنسكي المتشددة جعلت بن جوريون يطلق عليه اسم تروتسكي الحركة الصهيونية، فهو شخص يصر على الحد الأقصى ويجاهر بذلك دون اعتبار لأي شيء. البعض يطالب بتحقيق نفس الأهداف لكن ببطء مع إطلاق شعارات خادعة مثل السلام.
نظرة على الواقع وما يحدث من إبادة للفلسطينيين في غزة تبين أن الحكومة الإسرائيلية تسير على خطى جابوتنسكي وأفكاره، ترفض حتى اتفاقيات أوسلو للسلام. نتنياهو يعتبرها خطأ يجب ألا يتكرر. إنها حقا الأنانية المقدسة.
مدير تحرير "الأهرام"


 

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية