العدد 5642
الثلاثاء 26 مارس 2024
banner
العهدة العمرية
الثلاثاء 26 مارس 2024

من عجائب التاريخ أن الفرس هم الذين سمحوا لليهود بالعودة من السبي البابلي، والآن أكثر أهل الأرض عداء، بينما الرومان الذين أرسلوهم للشتات يعملون على دعمهم في عمليات الإبادة ضد الفلسطينيين في غزة! الملك الفارسي قورش الثاني سمح لليهود بالعودة إلى القدس عام 526 ق.م بعد احتلاله بابل، وحين اجتاحت الامبراطورية الرومانية العالم القديم قامت بتدمير القدس بعد أحداث شغب وقعت عام 66 ميلادية، سيطر الرومان على القدس وأحرقوها ما تسبب في هجرة قبائل اليهود إلى شتى أنحاء العالم سنة 70م فيما سمي بمرحلة الشتات التي تركت بصمتها على الشخصية اليهودية حتى الآن.

في تلك الفترة الموغلة في التاريخ استعر الصراع بين الفرس والروم واستطاع الفرس أن يستردوا القدس مرة أخرى إلا أن الامبراطور الروماني هرقل نجح في استعادتها ثانية، دخلها عام 629م حاملاً الصليب.

وتنبأ القرآن الكريم بذلك في قوله تعالى "غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين.

لله الأمر من قبل ومن بعد يومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله". بعد ظهور الإسلام وبروز قوة العرب، دار التاريخ دورته العجيبة ووجدت القوات الرومانية نفسها أمام جيوش المسلمين التي تحاصر مدينة القدس، حتى اضطر أهلها إلى التسليم بعد حصار دام خمسة أشهر.

رفض البطريرك الروماني تسليم المدينة للقائد أبي عبيدة بن الجراح خوفا على الأماكن المقدسة المسيحية وأصر أن يحضر الخليفة عمر بن الخطاب ليتسلم مفتاح المدينة بنفسه عام 636م، واتفق الطرفان على وثيقة تعطي الجميع حرية العبادة وهي التي سميت العهدة العمرية.

في نفس العام تقريباً كانت جيوش المسلمين بقيادة سعد بن أبي وقاص تحقق انتصارا على الفرس في معركة القادسية لتسقط الامبراطورية الفارسية أمام جيوش المسلمين في العام 644م.

الشاهد أن صعود الدولة العربية وتوسعها شرقا وغرباً كان على حساب امبراطوريتي الفرس والروم.


التاريخ ذلك الذي لا يكف عن الدوران مثل ساقية، عاد بنا ثانية إلى صراع الفرس والروم (الغرب وإيران) على جبهات عديدة أكثرها سخونة ودمارا ما يحدث في غزة. كلاهما يتحدث عن تدمير الآخر ولا يحمل أحدهما مثلما حملت العهدة العمرية من تعايش وأمان للجميع.


مدير تحرير "الأهرام"

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .