العدد 5639
السبت 23 مارس 2024
banner
مفاتيح العودة بين نكبتين
السبت 23 مارس 2024

التاريخ لا يعيد نفسه صورة طبق الأصل بحذافيره، وإن شُبهت لنا أحداثه، وإن عاد حقاً فيعود في المرة الأولى كمأساة، وفي المرة الثانية كمهزلة، وفي نكبة 1948 كانت المأساة، وفي "المهزلة" جاءت نكبة غزة، في النكبة الكبرى الأولى ظن ضحاياها المهجّرون قسراً (نحو مليون فلسطيني) أن تهجيرهم ليس سوى حالة قصيرة مؤقتة سرعان ما ستزول بانتهاء الحرب بدحر الغزاة القادمين من شتات الأرض، لذلك حملوا مفاتيح مساكنهم معهم، معولين في ذلك على انبلاج يوم تالٍ يسمح بعودتهم إلى ديارهم ومنازلهم، لكن هذا لم يحدث؛ فما ظنوها نكبة عابرة ستزول استمرت ثلاثة أرباع القرن وما فتئت مستمرة، وفي نكبة غزة حمل أبناء وأحفاد المهجّرين الأوائل الذين هُجّروا إلى القطاع مفاتيح النكبة الأولى معهم ومفاتيح النكبة الجديدة معاً، حتى رغم علمهم أو جهلهم بمصير البيوت التي تركوها وراءهم تحت جحيم حرب الإبادة، وكان أن شبكوا في سلسلة واحدة مفاتيح النكبتين. أحد هؤلاء المهاجرين، وهو حسين أبوعمشة من مخيم بيت حانون بالقطاع، أضاف إلى مفاتيح النكبتين قطعة نقدية تعود إلى عام 1927 كدلالة على تجذر شعبه في الأرض التي شُرّد منها، مع أن تجذره أبعد من ذلك العام بقرون. على أن التمسك بما باتت تُعرف بـ "مفاتيح العودة" لم يعد لدى الفلسطينيين مجرد ضرب من الأوهام كتعبير عن إرضاء "حالة نفسية"، بل أضحى يرمز إلى حقهم المشروع في العودة إلى ديارهم ومساكنهم التي رُحلوا عنها قسراً، أو كما قال محمد سعيد مدير مخيم اللاجئين في قلنديا: إن هذه المفاتيح ترمز إلى حُلم وتمسك اللاجئين الذين هُجروا منها بحق العودة. وقد أضحت هذه المفاتيح الرمز والمعنى للقرار الأُممي 194 الصادر نهاية عام النكبة بحق اللاجئين في العودة إلى ديارهم، ولم تطبقه إسرائيل كغيره من عشرات القرارات الدولية المهمة، بتواطؤ وصمت المجتمع الدولي وعلى رأسه الولايات المتحدة.


لا غرو والحال كذلك إذا ما أصبحت هذه المفاتيح عزيزة على قلوب الفلسطينيين، يحافظون عليها كحفاظهم على حدقات عيونهم، حتى غدت أشبه بالأحراز والتمائم في ملازمتهم إياها.


كاتب بحريني

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية