يعن لنا ونحن في الشهر الفضيل، شهر رمضان، أن نتساءل: "هل من طريق لتجاوز صراعات عالمنا الراهن، أفضل من اتساع قاعدة السماحة وتعميق جذور الحوار بين البشر، من مختلف الألوان والأديان، الأجناس والأعراق؟".
أفضل جواب نجده عند البروفيسور الألماني "هوبرتس هوفمان" في كتابه الشيق قانون التسامح، وهو المفكر الأوروبي الشهير والباحث في مركز الدراسات الاستراتيجية الدولية بجامعة "جورج تاون" اليسوعية الأميركية الشهيرة. ي
ؤكد هوفمان أن السماحة والسلام والمحبة تسود عندما نكتفي بضم أيدينا والامتناع عن العمل، كما أن غياب اندفاعنا ينجم عن الظن الخاطئ بأن السماحة هي موقف طبيعي لكن السماحة ليست وضعا طبيعيا، بل يجب اكتسابها من جديد يوميا، وفي كل مكان كما جاء في تعبير للفيلسوف إيمانويل كانط.
يبدو الحوار في هذا الإطار، أفضل الجسور التي يمكن من خلالها عبور الواحد ناحية الآخر، وهناك تحدث فرحة اللقاء، وهناك تمضي كذلك أشرعة المودة بين البشر، ليتعمق الوئام عوضا عن الخصام. البروفيسور الألماني يذهب إلى أنه علينا أن نسقي يوميا أعشاب السماحة الناعمة، ونعتني بها في واقع الحياة، لكي تظل خضراء وتنمو. في شهر رمضان، نحتاج إلى انطلاقة عالمية جديدة، إلى تسونامي يدفع التسامح والحوار، في الوعي العالمي، وفي الرأي العام، حيث لا يزال هدف السماحة غائبا، والمحاولات الماضية ليست كافية حتى الآن، ومفاعيلها ضعيفة.
لا يستولي على برنامج العالم صانعو السماحة أو قيادات الحوار، بل خطباء البغض والمتطرفون القلائل، لأن الأكثرية والنخبة في البلدان لا يقومون بمسؤوليتهم في سبيل تعزيز عالم متناغم ويظلون خامدين. شرائع السماحة ترسخت في السنوات الأخيرة من حوارات عديدة في العالم كله، مع قادة دينيين وسياسيين وعلماء وسكان، يدعمون منذ سنوات طويلة التعايش السلمي في قريتنا العالمية، غير أن الكثير من المحاولات الزاهية في سبيل السماحة تبدو نظرية جدا، ومطالب الأمم المتحدة من السياسيين، تظل حبرا على ورق، إن لم يطبقها ويمارسها أناس يشعرون بالمسؤولية.
نحتاج في حاضرات أيامنا إلى أدوات تحويل فعالة، تحول الأفكار الذهبية إلى وقائع، ونحتاج إلى كثير من جسور الحوار المحلية والإقليمية والعالمية، السالكة بين الخطب الدينية ومطالب السياسيين وبين بشر يشعرون بالمسؤولية.
نتطلع إلى أمثلة منيرة متعددة للسماحة في السياسة والعلم والثقافة والرياضة ووسائل الإعلام وإلى مثل للتصالح، وأكثر من ذلك إلى أبطال السماحة، من جميع أجزاء الأرض ومن جميع أتباع الأديان.
بهذا فقط نستطيع أن نكسر في مناطق النزاعات في العالم درع عدم الثقة والبغض، ونحقق سلاما مستديما، إن المطالبة بمزيد من السماحة يجب أن تتحملها دوائر العلماء والسياسيين في مشاريع عملية عالمية.
إن شرائع السماحة هي تحريض على الفهم والحوار، والدعوة الفاعلة في سبيل التسامح والاحترام، تجاه الأديان والأعراف والأقليات الأخرى، إنها تعول على هذه الفرق الثلاث، لأن فيها تبدو بشكل أشد كما للمسلم المؤمن في مكة أو المسيحي في روما، أو الهندي في بومباي.
تتوجه الشرائع هذه إلى النخبة المسؤولة في بلاد الأرض البالغ عددها 193، والتي كانت حتى الآن في أكثر الأحيان راكدة تفسح المجال للمتشددين، وتدعو إلى الإقبال على العمل وإلى موقف الشجاعة، دعوة موجهة إلى أكثرية بورجوازية قابعة في أغلب الأحيان في مادية بحتة.
ليكن شهر رمضان الكريم شهرا للوصل لا للقطع، وللتسامح والتصالح، لا الفرقة والتشاحن.. كل عام وجميع البشرية بخير، وفي مودات تقيم الجسور وتهدم الجدران.
كاتب مصري خبير في الشؤون الدولية