العدد 5623
الخميس 07 مارس 2024
banner
تنظيم الفتوى وتطوير آليات الفهم الفقهي
الخميس 07 مارس 2024

يناير الماضي، وافق “المجلس الاتحادي الوطني” بدولة الإمارات العربية المتحدة، على مشروع قانون يهدف إلى “تنظيم مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي ومنحه الممكنات اللازمة لتنظيم شؤون الفتوى، وترسيخ مكانة الفتوى وفق الهوية الوطنية للدولة محلياً وعالمياً، وتطوير التوجيهات والسياسات والتشريعات ذات الصلة بالفتوى، وتنظيم شؤونها وتمكين المجتمع الإماراتي بالفتاوى الاستباقية وبناء نموذج حضاري للفتوى يستجيب للمستجدات ويُعزز السمعة العالمية للدولة ورؤيتها الإنسانية”، وفق ما نقلته “وكالة الأنباء الإماراتية”.
هذه المشروع يعدُ تحولاً في مسار عملية الإفتاء، حيث يركزُ على الكليات الكبرى، والتي تشكل الإطار المفاهيمي الأساسي، بما يجعلها ممارسة مقننة، لا ينتهجها أي فردٍ أو داعية لا يمتلك المؤهلات العلمية والشرعية التي يتوجب أن تكون لدى “الفقيه”، أي ذلك الشخص القادر على استنباط الأحكام الشرعية من مصادرها. “الاجتهاد” ليس هو الشرط الأوحد الذي يجب أن يتوفر في الفقيه المعاصر، بل أعتقد أن من الضروري أن يتحلى أيضاً بفهم دقيق لـ “مقاصد الشريعة” وما تهدف له الأحكام، وكيف أن الفتوى تتغير وتتطور، وذلك باختلاف المكان والزمان والظروف الموضوعية وتقدم العلم والتقنية؛ وأيضاً من المهم أن يدرك من يمارس الفتوى حدود دوره في ظل الدولة الوطنية الحديثة، التي هي كيانٌ مدني يقوم على “المواطنة الشاملة” و”سيادة القانون”، وتعمل فيها المؤسسات المدنية والأهلية المختلفة وفق التشريعات التي تنظم المجال العام، لذا أتى تقنينُ الإفتاء ضمن مجلس خاص به، وتحديد صلاحيته، بهدف الحد من الفوضى في الفتوى، وعدم استغلالها لأهداف سياسية أو حزبية، خصوصاً أن بعض الدعاة عملوا على نشر خطابٍ متشدد عماده الكراهية والتكفير، مستندين إلى ما اعتبروها فتاوى شرعية، هي في حقيقتها أبعد عن رحمانية الدين وإنسانيته، واستخدمت من الجماعات “الإرهابية” لتبرير عمليات العنف والقتل. هذا التنظيم الحديث سياسهم أيضا في تطوير آليات العمل والفهم الفقهي - القانوني، بما يجعل الفقه أكثر عصرانية وأنسنة، ويخرجه من مربع تقليدِ الأولين وترديد مقولاتهم، لأن الفقه جاء لخدمة الإنسان وليس العكس! الفتوى العامة، وتلك الفردية، ومدى توافق الأحكام الشرعية مع الهوية العامة للدولة والمجتمع.. أفكارٌ ستناقشها المقالة القادمة.
كاتب وإعلامي سعودي

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .