العدد 5622
الأربعاء 06 مارس 2024
banner
الناقدة الأدبية صوفي عبدالله
الأربعاء 06 مارس 2024

صوفي عبدالله ( 1925- 2003) واسمها الحقيقي منيرة عبدالله واصف، مثقفة مصرية كبيرة متعددة المواهب،فهي كاتبة صحفية وروائية وقاصة ومسرحية ومترجمة وناقدة، وفي حقل الترجمة عكفت على ترجمة وتلخيص العديد من أعمال الأُدباء العالميين،وتربو مؤلفاتها في هذا الصدد على الستين كتاباً، ومعظمها نُشرت في كتاب الهلال الشهري، وهي إلى ذلك كانت عضواً في نقابة الصحفيين المصرية،بالإضافة إلى عضويتها في جمعية الأدباء، ونادي القصة، ولجنة القصة بالمجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب، ونادي القلم الدولي، كما كانت تتولى الإشراف على تحرير صفحة "مشكلتك" في مجلة "حواء" النسائية، علاوة على نشر قصصها الشهرية في الصفحة نفسها، وهي تعالج في أعمالها الأدبية المشاكل والأزمات التي تئن منها المرأة في ظل القوانين والأعراف الاجتماعية،سواء بصفتها آنسة أو حبيبة أو زوجة أو أُماً.وتؤكد بأنه " يضل ضلالاً بعيداً من يتناول أدب طه حسين مجرداً من البعد الاجتماعي. فهو في أدبه كله يدير الأحداث والشخصيات والأفكار مرتبطة كلها بأبعادها الاجتماعية أشد الارتباط..." . ويمكن القول أنها من خلال كتاباتها وأعمالها الأدبية لعبت دوراً  تنويرياً توعوياً في منتهى الأهمية. 

وفي تقديرنا ما من ناقدة أدبية من نساء جيلها تمكنت بصورة إبداعية خلاّقة من وضع مبضعها التشريحي على "صورة المرأة في أدب طه حسين" كما فعلت صوفي عبد الله في مقالها المنشور تحت هذا العنوان في مجلة الهلال( فبراير، 1966)والذي سبق لنا تناوله في المقارنة مع كتاب الأديبة البحرينية بروين حبيب " أبصرتُ بعينيها". وفي ذلك المقال الذي هو في واقع الحال أقرب إلى الدراسة النقدية الرصينة، تكشف لنا صوفي بصورة تحليلية بارعة كيف أن الكفيف طه حسين وظّف حاسة السمع شديدة الإرهاف لديه في رسم معالم  وقسمات جمال المرأة في أعماله الأدبية كما لو كان مبصراً.ومع أن بشّار بن برد هو القائل" ... والأذن تعشق قبل العين أحياناً..." فإن الكاتبة تذهب إلى أن طه حسين كان أبرع من بشّار وأرهف وأشد استقصاءً وتعقباً لمسارب هذا الجمال في نفسه، مستشهدةً بالفقرة التالية التي وردت في روايته دعاء الكروان:   "ولم تكن تمتاز بإشراق  الوجه ونقائه فحسب،وإنما كان إشراف وجهها ونقاؤه مظهراً بصورة رائعة بارعة من الجمال والحسن قد أسبغت على جسمها كله، فكان شيئاً رائعاً متقناً كأنما صُنع في تمهل وتأنق وأناة، كأحسن ما يتمهل المثّال البارع ويتأنق ويستأني بعمله فيخرج تمثاله آية في الروعة وفتنة للعيون والقلوب جميعاً!..". وتعقّب صوفي على هذه الفقرة بصورة سجالية مُدهشة تنم عن عمق حسها الفني البديع في النظرة إلى جمال المرأة نظرة "بانورامية"، إن جاز لنا التعبير :" أرأيت إغفال التفصيلات هنا فيما يتعلق بالملامح والقسمات كي تأتي الصورة مجملة شمولية تطلق خيال القاريء ليستخرج من كوامن هذا الغموض المبهم ما يروق كل متخيل على ما يشتهي ويحب؟ وتلك طبقة في شاعرية الوصف وفنيته يغفل عنها الأكثرون من الواصفين. فليس من منهج يقتل الجمال الفني كما يقتله التحديد الدقيق الذي يكبت الخيال بدلاً من إطلاق له العنان له في أوسع الآفاق". ثم تأخذنا صوفي إلى وقع الصوت الأنثوي على الأذن ليقوم بمقام اللمس حتى بدونه:" فصوت المرأة لا يخاطب الأذن وحدها وإنما يخاطب حواس اللمس وخلجات الحس ويثير صوراً حسية لمسية . ليس أقلها شأناً وصف الصوت الرخيم بصفات النعومة والبضاضة التي لا تعهد إلا في اللمس وحده.". 

على أن صوفي عبد الله التي كانت واحدة معروفة من أعلام الأدب والصحافة، أخذ اسمها يتوارى منذ أواسط ثمانينيات القرن الماضي بالتزامن مع صعود موجة التعصب الديني، إلى حد أن منعت دور النشر التي عملت فيها سنوات طويلة نشر أي أي أعمال جديدة لها، بل أضاعت بعضها مما لا توجد في حوزة ناقدتنا الأدبية نسخ أُخرى منها، وهذا على ذمة ما صرح به الإعلامي خالد منصور في قناة النيل الثقافية.ويُفهم من مصادر متعددة، منها مقال للدكتور محمد الجوادي نُشر في مدونة الجزيرة بعنوان " النموذج القبطي للأدب الهادف" وهو عنوان إشكالي في تقديرنا، أن عبد الله كانت حريصة على أن تؤدي وظيفتها في هدوء وأن تتفرغ للقراءة والكتابة، بعيداً عن هوس الشهرة والأضواء الإعلامية. وإذ يحز في النفس حقاً أن تنتهي حياة هذه الأديبة والناقدة الفذة والمترجمة  العظيمة بتلك النهاية من التهميش و الإهمال، وبأنه-وفق تصريح الإعلامي منصور نفسه- لم يُعرف عن وفاتها إلا بعد يومين في خبر صغير نشرته الأهرام، فإن الآمال تحدونا بأن تقوم كل الجهات الأدبية والثقافية المعنية في مصر بتكريم ذكراها العطرة من خلال جمع وطباعة مختلف أعمالها الإبداعية، وبضمنها مقالها في الهلال الآنف  الذكر، وكذلك تنظيم منتديات وندوات وأنشطة ثقافية للتعريف بها وبأعمالها بما يليق بمكانتها كواحدة من أعظم رواد الأدب المصري والعربي الحديث. 

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية