العدد 5614
الثلاثاء 27 فبراير 2024
banner
"أبصرتُ بعينيها" لبروين حبيب 
الثلاثاء 27 فبراير 2024


 مع أن كتاب الأديبة والناقدة البحرينية بروين حبيب "أبصرتُ بعينيها..المرأة في حياة طه حسين"، الصادر في 2023 عن دائرة السياحة والثقافة- مركز اللغة العربية و السياحة في أبوظبي،جاء في أقل من مئة صفحة من الحجم العادي، إلا أنه ينطوي في تقديرنا على درجة كبيرة من الأهمية، لا بصفته كتاباً من الكتب النادرة التي تناولت المرأة في هذا المجال فحسب، بل ولأن موضوعه خليق بأن تتناوله امرأة أديبة، إذا يُحسب لحبيب أنها بسطت الموضوع بلغة رشيقة جذّابة وبأسلوب مكثف بعيداً عن الإطناب والاستغراق في التفاصيل المملة، وإن بدت -إلى حدما-في بعض جزئياته ،مخلة بشيء من الإيفاء العلمي في العرض والتحليل، ولعل المؤلفة محقة فيما نوهت إليه في المقدمة بندرة من تطرقوا لموضوع كتابها، مقارنة بما أُلف من كتب عن المرأة في أدب مجايليه، مع أن حقوقها كانت من القضايا الرئيسة التي ناضل من أجلها طه حسين. وتعويضاً عن هذا الشح تقول المؤلفة بأنها حاولت في كتابها دراسة حضور المرأة في رواياته وقصصه وأدبه.
والكتاب الذي بين أيدينا قسّمته مؤلفته إلى فصلين رئيسيين، الأول جاء تحت عنوان" المرأة في حياة طه حسين" وتناولت فيه الزوجة( سوزان بريسو)، والأُم (والدته)والابنة( شقيقته) والتلميذة( سهير القلماوي).بالإضافة إلى نماذج نسوية أُخرى في حياته مثل ابنة المفتش، ومي زيادة،  وأمينة سعيد ودرية شفيق.أما الفصل الثاني الذي جاء تحت عنوان" المرأة في أدب طه حسين" فقد تناولته على جانبين، الأول يخص المرأة الشرقية واستعرضت فيه نماذج نسوية ظهرت في روايتيه "دعاء الكروان" و" المعذبون في الأرض" وتتكون من إحدى عشرة قصة تجسّد أوضاع المرأة المصرية في الأربعينيات، والثاني يخص المرأة الغربية، وتناولت المؤلفة "نظرته" إليها كما تجلت في مجموعته القصصية" الحُب الضائع"، وكما تجلت أيضاً في مقال طويل له نُشر بعنوان" صور من المرأة في قصص فولتير" وقد نُشر في العدد الثالث من مجلة " الكاتب المصري"، وأُعيد نشره كتابه " ألوان" الصادر عن دار " المعارف" المصرية. على أن المأثرة الكبرى التي ابتسمت للعميد وأحدثت تحولاً كبيراً في مجرى حياته الشخصية والعامة تتمثل في قصة حُبه الفرنسية سوزان بريسو أثناء دراسته في فرنسا والتي توجت بالزواج ، والتي وصفتها بحق بأنها من قصص الحُب العالمية الجديرة بأن تُخلّد، وسنتناول دلالات هذه القصة تحت عنوان آخر. ومع أن المؤلفة برعت في استعارة عنوان كتابها من عنوان الجزء الثالث من كتابه "الأيام" الذي روى فيه قصة حُبه لسوزان، إلا أنها لم تتناول هذا النموذج النسائي إلا في مطلع الفصل الأول، أما النماذج النسائية الأُخرى، فرب قائل من باب الظرافة لكنه لم يبصر بعيونهن. ودرءاً من الاستطالة فإننا سنكتفي في هذه العجالة ببعض تلك النماذج النسوية لا كلها ، بدءاً من تلميذته د.سهير القلماوي. 
 إن ما أوردته المؤلفة حبيب بأن تلميذة طه حسين النجيبة سهير القلماوي دخلت في نزاع مع أصحاب السلطة لأنها رفضت الإشراف على رسالة جامعية لجيهان السادات يفتقر للدقة، وقد ذكرته المؤلفة من غير عزو، وعلى العكس من ذلك تجمع المصادر بأنها ساعدتها في تلك الرسالة وأشرفت عليها، وينسحب الأمر أيضاً فيما قالته حبيب  بأنها اُنتخبت في البرلمان بفضل دفاعها عن القضايا النسوية. فرغم من مناصرتها لحقوق المرأة فإن مواقفها عادية ومرسومة في حدود المتاح . أما فيما يتعلق بعلاقتها بطه حسين ففي تقديرنا بأنها حُمِلت بأكثر مما تحتمل من قِبل بعض من كتبوا عن هذه العلاقة، ومن ذلك ما نقلته المؤلفة عما كتبه الباحث السوري عمر الدقاق بصدد ما ورد من كلمات في بعض رسائل طه حسين إليها أثناء دراستها في فرنسا" أنها كلمات عاشق متيّم مشفوعة بالعديد من صيغ القسَم وحرارة التعبير تتجاوز ماهو معهود بين أُستاذ وتلميذة، إلى عاطفة حُب أفلاطوني يعلو على حضيض المادة إلى مراقي الروحانية السمحة" . ووصف الدقاق علاقة طه حسين بالقلماوي بأنها هي الأقرب دون سائر النساء اللواتي مررن بحياته، ومع ذلك فإن تقييمه للقلماوي، سواء فيما يتعلق بتلك العلاقة نفسها، أو فيما يتعلق بمنجزاتها الأدبية.. يبدو أقرب للواقع: " أن زاد سهير من التراث قليل، ومع ذلك كان التواصل بين طه وبينها وطيداً. ويعوض عن ذلك كله تميزها بالذكاء الاجتماعي وما عُرفت به من اللباقة واللطف وحسن التأني.   
على أن الدقاق إذ يشير إلى إحدى الرسائل التي بعثت بها القلماوي إلى أُستاذها طه حسين من مهجرها الدراسي في فرنسا والتي نُشرت في المصور بتاريخ 29 يوليو 1999 يميط اللثام هنا عن أمر نحسبه على درجة من الخطورة،ولا يليق بها كأديبة وناقدة وأُستاذة جامعية تخرجت على يدها أجيال من طلبة الدراسات العليا، وذلك إذا ما صح تقييمه، فيقول أن هذه الرسالة: "تكشف عن أخطاء إملائية ولغوية، وعن أسلوب يخلو من العناية. أنها تقترب من اللهجة العامية وتكتب بأسلوب يخلو من نصاعة الفصحى. وطه حسين لا يوجهها إلى أخطائها، بل يوصيها بالعناية بالفرنسية"! ويستطرد معللاً ما بلغته من حظوظ في تألقها الأكاديمي وفي حياتها الأدبية والثقافية والعامة: "وقد تمكنت سهير القلماوي من التعويض عن ذلك بما اتسمت به من حضور اجتماعي لافت بفضل أنوثتها الجاذبة وملاحة وجهها وبضاضة بشرتها، فضلاً عن بسطة في قوامها وعذوبة في نبرات حديثها.. كل ذلك إلى جانب ذكائها ونباهتها ودأبها على الدرس والكتابة". ( أنظر مجلة المعرفة السورية، نيسان 2012 ص 37- ص 41) وهو المصدر نفسه الذي استندت إليه المؤلفة). ومن المعروف أن القلماوي لم تكن في الأصل تهوي الدراسات اللغوية والأدبية،لولا دور طه حسين في إقناعها بذلك عوضاً عن تعثر رغبتها بدراسة الطب .

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .