العدد 5592
الإثنين 05 فبراير 2024
banner
كمال الذيب
كمال الذيب
“المتشائل” والمهمش!
الإثنين 05 فبراير 2024

قال الصديق محتجا: أنت فعلا بعيد عن التفاؤل وكل من يجلس إليك يـسري إليه التشاؤم. ولن يغير هذا الواقع نعتك للتشاؤم بكونه إيجابيا، لأنه اختراع مناقض لجميع ما درجنا عليه. قلت: أنا أكره التفاؤل المجاني المسكين، وأفضل عليه التشاؤم الإيجابي الذي يدعو إلى التساؤل عن علة ما نحن فيه، وعن منزلتنا في هذا العالم الهائج، وقد يبعث فينا الإحساس أننا خارج نطاق التغطية وموقع العجز فيما يدور حولنا من تحولات، وما نعيشه من العجز المبين فنعمل على تغييره.
قال: في سياق التغيير أو ما تسميه التشاؤم الإيجابي فأبشـرك بأنني قررت الخروج من وظيفتي الحالية البائسة، لقد أصبح الإحباط يغمرني، وقلت في نفسي لعل تغيير المكان والمجال والوجوه يمنحني نفحة من الأوكسجين تخرجني من الاختناق الذي أشعر به طوال الوقت. قلت للصديق: ألا تخشى أن يلاحقك هذا الشعور في الوظيفة التي ستنتقل إليها؟ ألا يمكن أن يكون العيب فيك، وليس في الوظيفة؟ ألا تخشى من احتمالية التهميش في الوظيفة الجديدة؟ قال: أهلا وسهلا بالتهميش. فمن هُمِّش نجا، ومن همش استفاد، لأن المهمشين في الوظائف هم أكثر المستفيدين، لأنهم يحصلون على رواتب من دون أن يطلب منهم عمل شيء مهم تقريبا، يأتون متأخرين وينصرفون مبكرين دون أن يشعر بهم أحد. إذا طلبوا إجازة وقعت لهم في الآن والحين. يبدأون صباحاتهم بالقهوة أو الشاي، ثم ينتقلون إلى قراءة الجرائد، ثم ينخرطون في حل الكلمات المتقاطعة ساعة أو بعض الساعة لتنشيط الذاكرة والمحافظة على اللياقة اللغوية، ثم ينتقلون إلى الإبحار عبر الإنترنت، ثم يأتي وقت الاتصالات عبر الهاتف، فيكلمون أحبابهم والأصدقاء، ومكاتب العقارات والأرصاد الجوية، بل قد يتصلون بالساعة الناطقة، لأنهم لا يجدون الوقت للنظر في الساعة المعلقة أمامهم.. وهكذا يمضي الوقت متدفقا، ولا أحد يسأل عن الإنجاز. فهم مُعفَون من المساءلة، بما يمنحهم المجال لصحة أفضل، وعمر أطول، وسلام مع النفس ومع الآخرين. وقد يمنحهم ذلك فرصة لمواصلة دراساتهم، ونشر كتبهم، ومجموعاتهم الشعرية وأعمالهم الفنية، ومتابعاتهم الإنشائية والهندسية، واستكمال ترميمات العظام والأسنان.. فأهلا به من تهميش! قلت: لا حول ولا قوة إلى بالله.
* كاتب وإعلامي بحريني

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .