العدد 5588
الخميس 01 فبراير 2024
banner
كمال الذيب
كمال الذيب
من أجل عيشنا المشترك
الخميس 01 فبراير 2024

تعزيز العيش المشترك لا يكون بجميل الخطاب فحسب، بل بالقضاء على الأسباب المعطلة له، وتأتي محاربة أنواع التقسيمات على أسس عرقية أو طائفية أو مناطقية أو غيرها، في مقدمة تلك المعطلات أمام بناء مدنية الدولة، وتعزيزها في الفكر والممارسة بتعزيز ما يجمع وتقليص ما يفرق. بتعزيز سلطة القانون والمؤسسات والإعلاء من شأنها، بما يسمح باتساع المساحات المشتركة على الأصعدة كافة، وقتها ستتحول حتى الاختلافات إلى مصادر ثراء، لا معولا للتشتيت والتفكيك.
ويأتي تعزيز المواطنة في مقدمة جميع الأمور الأخرى، وهذا يتطلب الإعلاء من شأن الوطن الذي يشعر فيه الجميع بأنهم مواطنون متساوون في الحقوق والواجبات، ويستدعي ذلك الإعلاء من مفهوم الوطنية التي تمثل الخيط الرابط الجامع بين القلوب والعقول والأفعال والأقوال.. بما يؤسس تدريجيا لمنهج موحد للتعالي عن التقسيمات ما دون الوطنية، وبالتالي عدم اللجوء إليها كملاذ للعزلة والاحتماء والهرب إليها وقت الأزمات، فالتحديات التي نواجهها تقتضي “تمجيد الوطنية” وإعطاءها الأولويّة في سلّم القيم، لغايات تربوية متّصلة بالهويّة والانتماء الوطني، فالوطنية يجب أن تمثل القيمة الأساسية التي تتربّى عليها الأجيال الجديدة لمواجهة التحديات المتصاعدة. والدولة في جوهر عملها وأهدافها من جانبها، تعمل على تحقيق تطلعات مواطنيها، بما يسهم في إفشال الخطاب الانعزالي والحد من تأثيره في عقول الأجيال الجديدة، التي لا تزال تخضع للأسف لغسيل الأدمغة، استنادا إلى ترسانة من المبررات التي تعزلهم عن شركائهم في الوطن، فتترسخ في أذهانهم، وفي وقت مبكر قيم العزلة والريبة من الآخر الشريك في الوطن والطموح، ويصعب بعد ذلك محوها، بعد أن يصبح هؤلاء مغلقين فكريا ووجدانيا غير قادرين على التواصل والحوار والقبول بالرأي الآخر، فيعيشون في حالة امتلاء واكتفاء محصنين ضد أي اختراق معرفي أو سلوكي أو وجداني. من المهم إذا أن تبدأ التربية على المواطنة في سن مبكرة جدا، ضمن جهد وطني أساسه الأسرة والدولة بأجهزتها المختلفة.. بحيث يكون التنوع الفكري والاجتماعي دليل حيوية عقلية وفكرية لمناخ اجتماعي حر ومنفتح وتشاركي، يسهم في تطوير عيشنا المشترك، ويفتح أبواب الاجتهاد ويحافظ على وحدة الوطن والمواطن.
* كاتب وإعلامي بحريني

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .