العدد 5582
الجمعة 26 يناير 2024
banner
أهمية دور السجون المفتوحة
الجمعة 26 يناير 2024

وفق مبادئ علم الإجرام، فإن الغرض من العقوبة الجنائية للمجرم يشمل أسبابا عدة لردع الإجرام ومن يرتكبه. من هذه الأسباب الرادعة، أن تمثل العقوبة الجزائية رادعا للمجرم نفسه؛ حتى يتعظ ولا يرتكب أي جريمة في المستقبل خوفا من العقوبة، ويكون رادعا للآخرين في المجتمع؛ حتى يرون ما حدث للمجرم وعقوبته بالسجن، وبالتالي يهربون بعيدا عن ارتكاب الجرائم، والرادع الأهم هو تقويم المجرم نفسه بإصلاحه ورفعه لدرجة تبعده تماما عن الإجرام ومحيط الجريمة. وهذا الرادع له أهمية خاصة في إصحاح حال المجتمع بإعادة المجرم الضال إلى مجتمعه بصورة جديدة وفكر جديد “وجل من لا يخطئ”، و “من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر”.
ارتكاب الخطأ والجريمة، قد يحدث من أي شخص لأي سبب كان، ومن وجهة نظرنا، فإن “تقويم المجرم” وتصحيح أهدافه الإجرامية البغيضة وجعله ينفر من الجريمة ويركض بعيدا عنها، هو الرادع الأمثل؛ لأنه يعيد الضال لمجتمعه ليكون جزءا منه. بل في معظم الأحوال هو الرادع المفيد والأفضل؛ لأن تقويم النفس وقناعتها الذاتية تأخذ بيد المجرم إلى عالم آخر بعيدا تماما عن عالم الجريمة والإجرام. ونتمنى أن يصل كل مجرم تمت عقوبته إلى هذه المرحلة في تقويم النفس وضرب المثل في نكران الذات والعودة للآخرين، “وأن تأتي متأخرا...”.
الجريمة بكل أشكالها وأنواعها ضد الإنسانية والإنسان، وعليه يجب ردعها ومعاقبة مرتكبها حتى يعيش العالم في أمان من الجريمة وفظائعها البغيضة، وهذا الأمان من الجريمة يعد نعمة كبيرة لا يشعر بأهميتها إلا من فقدها. ولذا، على كل المجتمعات العمل بقوة لمنع الجريمة ومحاربتها بشتى السبل. ومن أول هذه السبل معاقبة المجرم وفق القانون ووفق سيادة القانون.
السجون هي المقار الرسمية للمجرمين الذين صدرت أحكام قضائية في مواجهتهم. وهي معروفة من قديم الزمان ويتم احتجاز المجرمين فيها وفق قواعد وإجراءات قانونية معروفة، ومن أمن العقوبة أساء الأدب، ومن هنا تأتي أهمية العقاب. ويقبع المجرم داخل السجن لقضاء العقوبة المقررة عليه، وهذا يتم في نظام وحماية وإجراءات السجون وفق القوانين الوطنية والمواثيق الدولية الصادرة في هذا الخصوص. 

ومنذ فترة، ولأسباب عدة، ظهرت فكرة السجون المفتوحة في العديد من الدول. ونشيد بمملكة البحرين التي تطبق برنامج السجون المفتوحة، ونشيد بهذا الإجراء الذي ظهرت نتائجه، وبالتالي تقدير المجتمع المحلي والدولي.
إن فكرة وفلسفة السجون المفتوحة تقوم وتنطبق على مبدأ أساسي مضمونه هو تقويم السجناء ومنحهم الفرصة للتأهيل والعودة للحياة بعيدا عن الإجرام ودائرة المجرمين. ووفق سياسة السجون المفتوحة، فإن السجين يمنح بعض الحرية للعيش بعيدا عن الزنازين والغرف المغلقة، وربما البقاء خارج السجن وفق إجراءات أمنية مخففة نوعا ما. وكذلك ربما يمنح السجين فرصة للقيام ببعض الأعمال التي يتقنها ويكون المجتمع في حاجة لها، ومن هذا التعامل يشعر السجين بمدى أهميته لخدمة مجتمعه وهذه قمة الشعور بالمسؤولية والعودة للذات والفكر السليم بأن العمل جميل بعيدا عن الإجرام والمخططات الإجرامية.
وللعلم، فإن الحصول على فرصة السجن المفتوح، لا يمنح لأي سجين، خاصة لمن لهم سوابق إجرامية وذهن إجرامي لا يعيش إلا في وسط الإجرام. وفي الجانب الآخر، يستفيد من سياسة السجون المفتوحة، أصحاب الجرائم البسيطة قليلة الأثر، وأيضا الشباب الذين من الضرورة إبعادهم من وكر السجون والإجرام حماية لهم ولمستقبلهم.
إن سياسة السجون المفتوحة فيها تقدير للإنسانية ولأهمية مراعاة كل شرائح كل المجتمع من الصالح والطالح؛ ليعيش الجميع في جو آمن بعيد من الإجرام، وكذلك منح الفرصة لمن وقع في الإجرام؛ للخروج من هذه الدائرة المسمومة والعودة للمجتمع النظيف السليم. ومن الضرورة أن نقول إن انتهاج مملكة البحرين هذه السياسة الحميدة تجد منا كل التقدير والدعم، ولنسير في هذا الطريق؛ لأنه يمثل الوجهة السليمة لمستقبل مشرق وآمن للجميع.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية