العدد 5579
الثلاثاء 23 يناير 2024
banner
سارتر وقضية فلسطين
الثلاثاء 23 يناير 2024


ذاق فيلسوف الوجودية جان بول سارتر مرارة الاستعمار النازي لبلاده فرنسا، وذاق مرارة السجن أيضا، فتحول في نظر الكثيرين إلى بطل من أبطال التحرير في العالم، لديه القدرة على اتخاذ المواقف القوية إلى جانب المضطهدين والأقليات ضد الاستعمار والمستغلين دون أن يهتز. كانت وجودية سارتر تعني أن يلتزم الإنسان كل إنسان بموقف محدد يحافظ عليه حتى النهاية، بحكم أنه مسؤول عن نفسه وعن بقية إخوته في الإنسانية، فالإنسان لا يكون إنساناً إلا إذا التزم بشيء واحد هو قضية الحرية له ولبني البشر. هذا الفيلسوف الملتزم بالحرية ومواقفه ضد الظلم والاضطهاد وجد نفسه في حالة ارتباك تجاه القضية الفلسطينية، فاليهود يغتصبون فلسطين، وهم أنفسهم عانوا من اضطهاد طويل في الغرب. حاول سارتر (1905-1980) أن يكون محايداً تجاه الطرفين لأول مرة في حياته، فلم يعجب ذلك العرب ولا إسرائيل. زار سارتر مصر والتقى الرئيس جمال عبدالناصر كما زار إسرائيل والتقى بعض قادتها، وبالطبع تصريحاته في مصر أغضبت الإسرائيليين، وتصريحاته في تل أبيب أغضبت العرب .
وفي كتابه تأملات حول المسألة اليهودية يقول: "إذا كنت أعترف لابن أحد اليهود الذي أقام في إسرائيل بحق البقاء في وطنه لأنه ولد فيه ولا يجب طرده منه، فأنا أعترف للفلسطينيين طبقا للمبدأ نفسه بحق العودة إلى هذا الوطن". ويقترح لحل المشكلة الفلسطينية: "أن تقوم إسرائيل بإعادة الأرض التي احتلتها دون ضغط من أحد مقابل الاعتراف بسيادة إسرائيل"! داعيا أن تكون مشكلة فلسطين الموضوع الأول للمفاوضات، فالمسألة مسألة حق وما دامت لا تتم مناقشة المشكلة وجها لوجه، فستكون هناك حركة فتح، وستكون هناك جبهة تحرير فلسطين، وبالتالي سيكون هناك توتر حاد، وفي نهاية الأمر ستقع حرب جديدة.
هذا الكلام قيل قبل اتفاقيات السلام وأوسلو وقبل ظهور حماس أيضا، ويرى سارتر أن العرب لا يريدون إزالة إسرائيل كأقلية، لأن الأقليات في الشرق الأوسط تستطيع دوما إيجاد وسيلة للتكيف عكس الأقليات الأخرى في العالم التي تتعرض لمجازر.
رؤية سارتر التي تجمع بين المثالية والعقلانية لم تمنعه من القول: إن إسرائيل هي رأس حربة لأميركا، وإن الإسرائيليين والعرب ضحايا الصراع بين أميركا وروسيا.
لكن يبقى السؤال لو كان سارتر يعيش بيننا الآن وشاهد المجازر وعمليات الإبادة التي تحدث يوميا في غزة، هل كان سيظل محايدا؟! بالتأكيد لا.

مدير تحرير "الأهرام"

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية