العدد 5577
الأحد 21 يناير 2024
banner
بغداد... سلام من بعيد وود من قريب
الأحد 21 يناير 2024

لقد اختيرت مدينة بغداد في موقعها الحالي لتكون محطا للقوافل التجارية، وقد بنى المنصور في بغداد أسواقا كثيرة، وخصص لكل حرفة سوقا قائمة بذاتها، فأصبح هناك سوق العطارين وسوق التجاريين وسوق للبزازين وسوق القصابين، وعلى هذه الأسواق توافدت وفود العرب من كل فج عميق، فانتعشت التجارة وازداد الرخاء وراجت السلع، وازدحم الناس على الأبواب.
عشرة أيام قضيتها في بغداد “عاصمة الرشيد” بدعوة من الهيئة العربية للمسرح لحضور الدورة 14 من مهرجان المسرح العربي، وهي المرة الأولى التي أزور فيها العراق الشقيق، وكنت قد سمعت وقرأت عن مخاوف وهواجس إزاء الوضع الأمني هناك، ولكن ما شاهدته وعشته لا يتطابق تماما مع ما سمعت وقرأت، فبغداد تعيش في القمم العليا من الأمن والأمان، سلام من بعيد وود من قريب. وكلما تلتفت تجد الورود وروعة كلمات الترحيب من الشعب العراقي الذي يعيش على أصول ومناهج من الكرم لا يستطيع أي كاتب أن يتحدث عنه، وهذه حقيقة يؤكدها كل الذين زاروا العراق، فالكرم فطرة عربية أصيلة فيهم. أحد الباعة بشارع المتنبي المعروف بأنه السوق الثقافي وملتقى فطاحل الشعر في الماضي كالسياب والبياتي والحيدري والجواهري وغيرهم، رفض أن يأخذ مني قيمة كتاب عن المسرح العربي عندما عرف أنني بحريني...” يابه إحنا كلنا فدوة للبحرين وأهلها”.. هكذا قال لي. وبائع آخر كان الكرم يتدفق منه كالشلال إلى درجة أنه أصر على جلوسي وشرب الشاي الأصيل في دكانه الصغير وقبلت الدعوة، بل كان يريد أن يعزمني على العشاء، لولا أنه تفهم أهمية حضوري فعاليات المهرجان.
تلك كانت بغداد، نهر الطمأنينة ومراعي الاخضرار، وعشب الجنة، وكما قال الشاعر بدر شاكر السياب “حتى الظلام هناك أجمل، فهو يحتضن العراق”، وقال المتنبي “ بغداد أنت دواء القلب من عجز”.
* كاتب بحريني

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية