العدد 5575
الجمعة 19 يناير 2024
banner
انتقال الخط الدرامي من البيت إلى العالم الواسع
الجمعة 19 يناير 2024

قوة أية مسرحية تاريخية تكمن في خلق أبعاد جديدة وانتقال الخط الدرامي إلى دنيا المجتمع الكبير، كما فعل الكاتب الفرنسي جان جيرودو في مسرحية “الكترا” حينما نقل الأسطورة من بيت وأسرة معينة إلى العالم الواسع الكبير الذي يعيش المأساة الدامية بلا عقل يقيد ولا منطق يعصم.. عالم يعيش تناحرا فكريا وصراعا عنصريا.
كتب جيرودو “الكترا” كما هو مؤرخ في عام 1937 ونذر الحرب تتجمع في الأفق الدولي، والمعروف أن ألمانيا لقنت فرسا درسين قاسيين خبرت فيهما فرنسا بطش الألمان وعلو شأنهم، فقد دخل جنود ألمانيا باريس حين كان نابليون الثالث امبراطورا على فرنسا وبسمارك رئيسا لوزراء ألمانيا، وكانت هزيمة الفرنسيين إيذانا بزوال حكم نابليون الثالث، وفي الحرب العالمية الثانية دقت الجيوش الألمانية أبواب باريس وفاضت دماء الفرنسيين وحلفاؤهم أنهارا في بلجيكا وفي فرنسا. وحين بصمت ألمانيا على معاهدة فرساي للصلح اثر الحرب العالمية الأولى كانت ألمانيا مغلوبة على أمرها، وفضلا عن ذلك أذلتها معاهدة الصلح أيما إذلال، والعداوة بين الفرنسيين والألمان عداوة تقليدية، وأثر عن الألمان أنهم لا يكبون إلا كي ينهضوا، ولا يتعثرون إلا كي يقفوا على أقدامهم ويردوا الكيل لأعدائهم كيلين والثأر ثأرين.
ما فعله جيرودو هو أنه وجد في الفتاة التي صورها ايسخيلوس في ثلاثيته شخصية تصلح لأن يحملها الموقف الدولي، وتبرهن على أن صورة الصراع في المجتمع البشري أيام اليونان مازالت قائمة، لكن رقعتها اتسعت فشملت الدول ولم تعد وقفا على أبناء البلد الواحد.
لقد طور جيرودو الخيط المقتبس من أسطورة “الكترا” وبنى عليه العمل الأدبي بكل دلالاته ورفعه من مستوى الشيء العادي الذي يحدث كل يوم إلى مستوى القضية العامة التي تعالج أشياء كثيرة، ولهذا تعتبر مسرحيته وثيقة تاريخية لها شعبية ومنزلة عظيمة.
كاتب بحريني

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .