العدد 5574
الخميس 18 يناير 2024
banner
حياة الإنسانية ترتكز على المسرح
الخميس 18 يناير 2024

لقد اتجه الفن الحديث بصفة عامة إلى إلغاء الموضوع إلغاء تاما، القصة الحديثة بلا حدوته، ولكن القضية عند أهل المسرح كأسلوب قتال جماهيري وهم أكثر تحملا لمرارة الصراع وأعدل غاية، وما يكتبه المسرحيون العظماء ليس مسرحية بالمعنى التقليدي، إنما حياتنا بكامل طاقتها وحركتها وأشكال ممارستها، وعند البعض يحمل المسرح “إرادة التغيير” كما عند بريخت.
كتب بريخت في بداية السنوات النازية كتابا صغيرا بعنوان “خمس صعوبات أمام كتابة الحقيقة”، تحدث فيه عن الشجاعة التي تتطلبها تلك الكتابة والبصيرة اللازمة لإدراك الحقيقة، ثم عن تحويلها إلى سلاح والبحث عن الدعاة المناسبين، وأخيرا البحث عن الوسائل المناسبة للدعاية لها، وعاش بريخت حياته كلها في المسرح حتى أصبح البحث عن ذاته هو البحث عن المسرح، والتحمت كتابته بحياته حتى أصبحتا وجهين للدليل التاريخي الواحد، وبقية تلك الصعوبات تعني صعوبات بريخت في الشهادة على عصره.
إنه يدرك اللحظة التاريخية التي يعيش فيها ويعيها وعيا كاملا، ويدرك مسؤوليته تجاه هؤلاء الذين يشاركونه نفس اللحظة.. أنا كاتب المسرح أعرض ما قد رأيت.. رأيت الإنسانية تباع في أسواق الإنسان، وهذا ما اعرضه.. لكن كيف سيعرضه؟
يرى بريخت أن الطرائق القديمة للتفكير لم تعد تناسب احتياج العصر، وأن التقدم التكنولوجي غير أشياء كثيرة من بينها علاقة الإنسان بالإنسان، وهذا ما يهتم به المسرح لاعتبارين، من حيث انه يصور تلك العلاقة، ثم من حيث أنه أيضا أداة علمية لتعميق التطور الاجتماعي للإنسان، وهذا يعني ضرورة أن يتخذ المسرح موقفا نقديا وأن يعرض الحقيقة أمام المشاهد كمراقب متأمل لا كمشارك.
هؤلاء العظماء كانوا يرون أن حياة الإنسانية ترتكز على المسرح، وعندما يصعد الممثل على الخشبة فإنه يسرد الواقع في رحابة صدر واضحة ويقدم لنا اللمسة المثالية لفهم أنفسنا ومن نعيش في وسطهم.

* كاتب بحريني

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .