العدد 5561
الجمعة 05 يناير 2024
banner
قوانين المنافسة التجارية
الجمعة 05 يناير 2024

دول الخليج أصدرت قوانين خاصة بهدف تفعيل المنافسة الشريفة في التجارة ومنع الاحتكار بكل أشكاله، وإصدار قوانين المنافسة يعتبر تطورا ملحوظا في المنطقة من أجل دفع التجارة الحرة وتهيئة المناخ الصحيح لانتعاش التجارة والاستثمارات الأجنبية وتنميتها في شتى المجالات. وهذا الوضع بدوره سيفتح شهية التجار المحليين والأجانب للعمل تحت غطاء المنافسة القانونية الشريفة، ولكل مجتهد نصيب.
نلاحظ وجود بعض الأمور التي لا بد من أخذها في الحسبان حتى يتحقق المراد من المنافسة الشريفة وتزدهر التجارة الحرة في ظل هذه المنافسة التنافسية، وبعيدا عن تلك الممارسات الضارة التي أشارت لها قوانين المنافسة وحظرتها بل وسنت سيف العقوبات على مرتكبيها. مع العلم أن العقوبات تكون في بعض الحالات كبيرة جدا بحيث تتجاوز الغرامات الملايين، إضافة إلى العقوبات الجزائية. والممارسات التي تؤثر على المنافسة الشريفة كثيرة، ولكن من الملاحظ أن بعض الشركات تبدع في التأثير على المنافسة عبر إخفاء السلع والخدمات أو وضع قيود عليهما أو نقل معلومات غير حقيقية عن الشركات الأخرى المنافسة أو إيقاف التعامل معهم دون مبرر أو إيقاف الإنتاج للتأثير على الطلب أو تخفيض الأسعار بأقل من التكلفة لإغراق السوق و الإضرار بالمنافسين... وهكذا، يصبح اللعب “خشن” وغير نظيف في ملعب التجارة. وأحيانا، يكون اللعب مخالفا تماما للقانون لأن بعض الشركات من أجل الحصول على العمل تقوم بتقديم الرشاوى وغيرها من الممارسات الفاسدة. 
من الناحية المبدئية وتحقيقا لأسس العدالة الطبيعية، فلا بد من أن يتم فرض وتطبيق قوانين المنافسة على جميع من يعمل في التجارة، أي نوع من أنواع التجارة، ومن هذا يجب المساواة بين الجميع و إلا يعتبر القانون عديم الفائدة وربما لن يتمكن من تحقيق الهدف المنشود. ومنح الوضع الخاص لبعض الشركات يكسر مبدأ المنافسة الشريفة ويهدمه ونجد بعض الشركات في ساحة الميدان دون منافس لأن المنافسة الشريفة غير متوفرة وتظل بعض أحكام قوانين المنافسة محجوبة بل غير قابلة للتطبيق. وإذا كان هذا هو الوضع التمييزي، فلماذا في الأساس تم إصدار قوانين المنافسة وتم إنشاء مجالس لإدارتها ومفتشين لمتابعة تنفيذها ومحاكم لمعاقبة مخالفيها... وهلم جرا.
 إن العدالة تقتضي المساواة في تطبيق القانون وتحقيق العدالة في التطبيق، وكل هذا مطلوب من أجل أن تكون قوانين المنافسة فاعلة ومفيدة لحماية التجارة والتجار وتحقيق المساواة لا بد منه بين كل الشركات. وليتم تطبيق القانون على الجميع، وبهذا يتم توفير المنافسة الشريفة للجميع وفي ظلها فليتنافس المتنافسون. ولذا لا بد من مراجعة “الحصانة” الممنوحة لبعض الشركات وإلزامها بممارسة أعمالها التجارية وفق الأسس الموضوعة لتحقيق المنافسة الشريفة وهذا بدوره سيحقق منع احتكار الشركات للتجارة و يفتح الباب أمام المجتهدين والمبدعين من التجار وهم كثر ويمتهنون التجارة “الحقيقية” لكسب العيش الشريف لهم ولأسرهم، وهم على استعداد للمنافسة بشرط أن تكون شريفة ووفق أصول اللعب و يشرف عليها “حكم” نزيه.
 وبالنسبة لسياسة اندماج بعض الشركات، نقول إن اندماج الشركات في حد ذاته قد يكون مفيدا لأنه يمنح الشركة الجديدة المزيد من رأس المال والقوة والتجربة و الدماء الجديدة مما يمكنها من تقديم الأعمال والخدمات بصورة أفضل للمستهلك و للجميع. و لكن من مكمن هذه القوة قد تأتي ممارسات تضر بالمنافسة الشريفة. فهل تسمح باندماج الشركات في كل الحالات ؟ بالتأكيد، من الاندماجات الكبيرة و من خلق الكيانات الاقتصادية الضخمة هناك بعض المؤثرات السلبية التي قد تضر بالمنافسة الشريفة لأن المنافسة في أصلها ستنعدم تماما بين العملاق والقزم. وهذه طبيعة الحياة شئنا أم أبينا، ولذا لا بد من إعادة مراجعة الفقرات الخاصة باندماج الشركات في قوانين المنافسة والعمل على تفصيلها بمهارة وبحيث لا يؤثر الاندماج على المنافسة الاعتيادية بين الشركات ويقود لخلق نوع من الاحتكار الضار.
 ونلاحظ معارك قانونية خاصة بين أميركا وأوروبا من الجهة الأخرى حيث امتنعت الجهات الرسمية في العديد من هذه الدول من الموافقة على بعض الاندماجات، وهم يستندون في هذا على أن الاندماج سيخلق “بعبعا” كبيرا في السوق لا يستطيع آخر العمل معه ناهيك عن منافسته يدا بيد وقدما بقدم. والحالات التي تم فيها رفض الاندماج كثيرة وتشمل شركات الطيران والبنوك وشركات الاستثمار والعقار والاتصالات والقائمة تطول. وهنا تبرز أهمية دور الجهات الرقابية الإشرافية التي تضع نصب أعينها مصلحة المستهلك والتجارة الحرة قبل مصلحة الشركات الجشعة. ونقول، إن توجيه الاندماجات والتكتلات يحتاج إلى بوصلة مراقبة ذات مهنية نزيهة وفاعلة، وعلينا وضع ضمانات في قوانين المنافسة بحيث تتم الموازنة بين مصلحة التجارة من جهة ومن الجهة الأخرى مصلحة الشركات التجارية وأصحابها من ذوي الجيوب الكبيرة التي لا تشبع ولا ترتوي.
من الممارسات الجميلة التي نلاحظها، أن بعض الشركات الكبيرة تقوم بوضع لائحة “كود” للممارسات القانونية الشريفة التي تلتزم بها الشركة كالتزام أخلاقي وقانوني ومجتمعي. وهذا تطور محمود يسعى لوضع البدائل المؤسسية للالتزام بالمنافسة الشريفة والنزاهة والأمانة في جميع الممارسات وفي كل الأوقات. ونتطلع إلى أن تحذو شركاتنا هذا الحذو وتقوم بإصدار مثل هذه اللوائح والاسترشاد بها في أعمالها، وقطعا في نهاية الأمر ستستفيد الشركات من هذه التوجهات النبيلة المتصاعدة في عالم التجارة والاستثمارات.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .