العدد 5558
الثلاثاء 02 يناير 2024
banner
استقالة سياسيين شرفاء
الثلاثاء 02 يناير 2024


سيل الأكاذيب الصارخة للسياسيين الغربيين والتعتيم على الحقائق مع بعض التأكيدات الفارغة عن حل الدولتين، مجرد ضجيج يحاول أن يحجب مدى الغباء والإجرام الذي تقوم به إسرائيل في حربها البربرية ضد الفلسطينيين في غزة، مستندة إلى حماية أميركية منقطعة النظير.
وسط هذه الأكاذيب يظهر بعض السياسيين الشرفاء ذوي الحس الإنساني والسمو الأخلاقي ويعلنون مواقفهم بقوة جانب الحق والعدل، يرفضون المجازر الإسرائيلية وعمليات الإبادة والتهجير التي يتعرض لها الفلسطينيون، يستقيل بعضهم من مناصبهم الرفيعة دفاعاً عن منظومة القيم والأخلاق التي نادى بها فلاسفة التنوير منذ القرن الثامن عشر. من هؤلاء السياسيين العظام جوش بول المدير السابق لمكتب الشؤون العسكرية بوزارة الخارجية الأميركية الذي كان مشرفا على عمليات نقل الأسلحة من أميركا إلى الدول الأخرى ومنها إسرائيل. أعلن جوش بول استقالته من منصبه في 18 أكتوبر الماضي رفضاً للمساعدات العسكرية الأميركية التي تقتل الفلسطينيين في غزة. عمل "جوش" في الضفة الغربية كمستشار للمنسق الأمني الأميركي وكان دائم التنقل بين رام الله وتل أبيب لوضع خريطة طريق للسلام تؤدي إلى حل الدولتين.
وعندما استقال أوضح أسبابه قائلا: استقلت من وظيفتي لأنني لا أعتقد أنه ينبغي تقديم الأسلحة الأميركية في أي موقف في حال علمنا أنها من المرجح أن تؤدي على حد تعبير السياسية التوجيهية لإدارة الرئيس جو بايدن إلى تفاقم خطر انتهاكات حقوق الإنسان، بما في ذلك إلحاق أضرار واسعة النطاق بالمدنيين وقتلهم، وهذا هو الحال فيما يتعلق بالذخائر التي تنهمر حاليا على قطاع غزة، والتي يعد جزء كبير منها أميركيا، وهذا هو الحال أيضا على نطاق أوسع وسيظل كذلك طالما اتبعت الولايات المتحدة نهجاً تجاه إسرائيل يتغاضى عن عواقب تلك المساعدات، والذي يتيح استمرار انتهاكات الحقوق الفلسطينية في جميع أنحاء غزة والضفة الغربية. 
هذا الموقف الداعم للحق الفلسطيني يذكرنا بموقف وزير الخارجية البريطاني الأسبق أنتوني ناتج حين استقال من منصبه احتجاجا على قيام إنجلترا وفرنسا وإسرائيل بالعدوان الثلاثي على مصر عام 1956. وأشار إلى أنه ترك منصبه لأنه لم يستطع أن يحول دون وقوع هذا العدوان الذي وصفه بالمأساة، موضحا: شعرت أنه لا يمكنني أن أكون مدافعاً عن موقف حكومتي أمام مجلس العموم أو أمام الأمم المتحدة وكان علي أن استقيل.
ونحن نعلم الآن أنه خلال حرب السويس تم إجبار بريطانيا وفرنسا وإسرائيل على الانسحاب تحت ضغط التهديدات الأميركية وإلحاح الرأي العام العالمي. كما عصفت تلك الحرب بمستقبل رئيس الوزراء البريطاني في ذلك الوقت انتوني ايدن، فبعد أن كان يخطط لمجد زاهر ونصر عسكري ساحق، اضطر للاستقالة بعد شهرين وانزوى محطما يواجه نهاية مأساوية، بما يؤكد النهاية التعيسة التي تنتظر رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو عقب توقف هذه الحرب البشعة. 
وإذا كانت حرب السويس أو - العدوان الثلاثي - قد كتبت كلمة النهاية لأفول الامبراطوريتين الإنجليزية والفرنسية لتحل محلهما أميركا والاتحاد السوفييتي، فإن حروب الشرق الأوسط على الأغلب هي ميدان رماية للامبراطوريات الكبرى قبل صعودها قمة المسرح العالمي أو هبوطها منه، وهكذا سوف تكون حرب غزة.

مدير تحرير صحيفة الأهرام


 

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .