العدد 5551
الثلاثاء 26 ديسمبر 2023
banner
ادفنوا موتاكم وانهضوا
الثلاثاء 26 ديسمبر 2023


تسقط القنابل والصواريخ على رؤوس الفلسطينيين في غزة ليموتوا.. فيموتوا، لكنهم يفاجئون العالم بأنهم أحياء، يفعلون ذلك دون خوف من قرار مجلس الأمن الأخير الذي يمهد الطريق لإبادتهم. الشاعر الفلسطيني الراحل توفيق زياد أول من كشف هذا السر في ديوانه ادفنوا موتاكم وانهضوا، يقول فيه: يا ترابا كله تبر.. وياقوت وعاج.. حبنا أقوى من الحب، وأغنى فادفنوا موتاكم وانتصبوا.. فغد - لو طار -لن يفلت منا، نحن.. ما صنعنا.. ولكن.. من جديد قد.. سبكنا. الفلسطينيون ليسوا بشرا مثلنا، هم يدفنون طلقات الرصاص في صدورهم ولا يموتون، أطفالهم يلعبون مع الموت، يلهون وسط القنابل والمتفجرات، يصنعون الكرة من البارود، يقذفونها في قلب اليأس يأملون أن تنفجر في وجه العالم الذي يقول عن نفسه "حر". يصرخ الطفل الفلسطيني وقد تحول إلى هدف لصاروخ إسرائيلي، يصرخ وهو يراوغ الموت، ولا يموت أبدا مهما قتل!
المرأة الفلسطينية ليست مثل النساء، النساء يلدن الأطفال، يربين الأطفال، يحلمن لهم بمستقبل وزوجة وأولاد، المرأة الفلسطينية تهب أطفالها للموت، لا تتوقف عن الحمل والولادة، والصراخ في وجه العالم ومجلس أمنه: أكلما جاء طفل يموت؟! تصرخ لحظة المخاض، وتصرخ عند وفاة طفلها، ولا تتوقف عن الإنجاب والصراخ أبدا، لعل ضمير العالم يصحو ذات يوم. يلعب أطفال فلسطين مع الموت، يموت من يموت، ويكبر من يكبر ليموت أكثر من موت، فالموت صار صديقا، والفلسطيني يخشاه خجلا من دمع أمه فقط، كما قال شاعر القضية محمود درويش: أحن إلى خبز أمي وقهوة أمي.. ولمسة أمي، وتكبر فيا الطفولة يوما.. على صدر أمي، وأعشق عمري.. لأني إذا مت أخجل من دمع أمي. 
الموت للفلسطيني أرحم من مجلس الأمن والأمم المتحدة والقوى الكبرى ومن أميركا وإسرائيل، الموت أرحم من جميع القتلة بالصمت أو التواطؤ. الفلسطيني يصاحب الموت، يود أن يموت في أرضه، في بيته، وأن تبكي الأم والأخت والزوجة بجانبه، ويسمع صرخاتهم قبل أن يحمله الرجال على الأعناق إلى القبر، الفلسطيني يحلم بقبر، وعزاء.. هل هذا كثير؟!
هو لا يخاف الموت، لكن يخشى القنابل التي تحوله إلى أشلاء تحت ركام منزله، فلا يجد من يبكي عليه. الفلسطيني يريد أن يموت يا أيها العالم الحر، ولكنكم تمنون عليه بالموت إلا أن يكون أشلاء تحت الركام. تقتلونه بوابل أسلحتكم الفتاكة لكنه يفاجئ الجميع من تحت الأنقاض صارخا بكلمات توفيق زياد: ادفنوا موتاكم وانهضوا. ساعتها يموت القتلة بغيظهم من بسالة شعب لا يريد أن يغيب عن الحياة. 

مدير تحرير صحيفة الأهرام

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .