العدد 5544
الثلاثاء 19 ديسمبر 2023
banner
برتراند راسل يكشف نفاق الغرب الفاضح
الثلاثاء 19 ديسمبر 2023

في ذروة الحرب الهمجية ضد المدنيين في غزة طلع علينا الفيلسوف الألماني هابرماس ببيان يوم 13 نوفمبر الماضي يدين هجوم حماس على إسرائيل، ما شكل صدمة للمفكرين العرب والأحرار في كل مكان، وسريعا ما جاء الرد عليه ببيان آخر وقعه 100 مثقف أميركي وأوروبي معتبرين بيان هابرماس وجماعته متحيزا أكثر من اللازم إلى جانب إسرائيل.
لن نتوقف طويلا أمام بيان هابرماس ولا الرد عليه، لكننا نريد أن نقف أمام رؤية فيلسوف من أهم فلاسفة القرن العشرين - برتراند راسل - وهو يصوغ أفكاره لحل مشكلة الشرق الأوسط من خلال رسالة كتبها إلى أحد المؤتمرات الدولية في القاهرة، حيث قام بتحليل أزمة الشرق الأوسط وأبعادها الإنسانية والتاريخية، ما يجعلنا نظن أن رسالته هذه كتبت بالأمس فقط، وأنه يتحدث عما يحدث في فلسطين الآن وليس عام 1970 تاريخ كتابة الرسالة. يقول راسل في خطابه الذي أرسله إلى المؤتمر قبيل وفاته بأيام: إن الهجمات الإسرائيلية ستفشل في تحقيق هدفها الأساسي، لكن في نفس الوقت يجب إدانتها بقوة في جميع أنحاء العالم. مضيفا: تطور أزمة الشرق الأوسط أمر خطير، فعلى مدى أكثر من 20 عاما - يقصد منذ قيام إسرائيل عام 48 حتى عام 70 - عمدت إسرائيل إلى التوسع بقوة السلاح وبعد كل مرحلة من هذا التوسع كانت تلجأ إلى العقل وتقترح المفاوضات. وهذا هو الدور التقليدي لأية قوة إمبريالية ترغب في توثيق ما أخذته بالعنف، ويصبح كل توسع جديد هو الأساس الجديد للتفاوض المقترح من القوة الإمبريالية التي تتجاهل ظلم العدوان السابق، لذا لابد من إدانة إسرائيل وما ترتكبه من عدوان ليس فقط لأنه لا يحق لأية دولة ضم أراض أجنبية بل لأن كل توسع هو بمثابة تجربة لاكتشاف مدى العدوان الذي يمكن أن يتسامح معه العالم.
ويتحدث عن اللاجئين: انهم باتوا يشكلون حجر الرحى الأخلاقي حول عنق يهود العالم. مشيرا إلى أن مأساة شعب فلسطين هي أن بلدة قدمت من جانب قوة أجنبية - يقصد وعد بلفور - لشعب آخر من أجل إنشاء دولة جديدة، وكانت النتيجة مئات الآلاف من الأبرياء أصبحوا بلا مأوى للأبد. ومع كل صراع جديد داخل أراضيهم يتزايد عددهم فإلى متى سيظل العالم متقبلاً ومستعداً دون غضاضة لتحمل مشاهد القسوة الوحشية هذه؟
ودعا إلى عودة المهجرين: من الواضح تماماً أن للاجئين كل الحق في الوطن الذي طردوا منه.. لن يقبل أي شخص في أي مكان في العالم أن يتم طرده بشكل جماعي من بلده، فكيف يمكن لأحد أن يطلب من أهل فلسطين القبول بعقوبة لا يتحملها أحد؟ إن التوطين العادل الدائم للاجئين في وطنهم يشكل عنصراً أساسياً في أية تسوية حقيقية في الشرق الأوسط.
كما يرد الفيلسوف الإنجليزي راسل على أمثال الفيلسوف هابرماس المتعاطفين مع اليهود بسبب المحرقة التي حدثت لهم في ألمانيا النازية، قائلا: كثيرا ما يقال لنا ينبغي علينا أن نتعاطف مع إسرائيل بسبب ما عاناه اليهود في أوروبا على أيدي النازيين، لكنني لا أرى في هذا الاقتراح أي سبب لجعل شعب آخر يعاني. إن ما تفعله إسرائيل اليوم لا يمكن التغاضي عنه كما أن استحضار فظائع الماضي لتبرير فظائع الحاضر هو نفاق واضح وفاضح. كاشفا حقيقة الصهيونية: إن إسرائيل لا تكتفي بدفع اللاجئين إلى مزيد من البؤس، إنما تسعى إلى دفع الدول العربية التي تحررت حديثا من الاستعمار لفقر مزمن بأن تجعلها دوما منشغلة بالمطالب العسكرية بدلا من أن تركز على التنمية الوطنية.
وأكد راسل الذي يعد أحد أبرز علماء المنطق أن حل القضية الفلسطينية يقتضي إزالة السبب الجذري قائلا: يتعين على كل من يريد أن يرى نهاية لسفك الدماء في الشرق الأوسط أن يدرك ويتأكد من أن تسوية الأزمة لابد أن تقوم على أساس إنهاء الأسباب الجذرية التي تسببت في نشأتها منذ البداية، وكذلك تجفيف منابع أي صراع يمكن أن ينشأ مستقبلا. إن العدالة تتطلب أن تكون الخطوة الأولى نحو التسوية هى انسحاب إسرائيل من كل الأراضي التي احتلتها في يونيو 1967 ومن الضرورة بمكان إطلاق حملة عالمية جديدة للمساعدة في تحقيق العدالة لشعوب الشرق الأوسط التي طالت معاناتها.
هذا الخطاب الوثيقة لفيلسوف كبير يناصر السلام كان يجب أن يكون مادة رئيسية في جميع وسائل الإعلام العربية، وأن ننشره أيضا في وسائل الإعلام الأجنبية ولو على شكل إعلان مدفوع الأجر. فهو أفضل رد على الفلاسفة والمفكرين والسياسيين الداعمين للمجازر الإسرائيلية التي تحدث ضد الفلسطينيين أمس واليوم وغدا.

مدير تحرير صحيفة الأهرام
 

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .