عندما كان موشي ديان طفلا التحق بمدرسة أغلبها من الفتيات، ومن وقت لآخر كان يقوم بأشياء تخيف أقرانه، وذات يوم أحضر ثعبانا من الحقل وأطلقه في فصله المزدحم بالفتيات، ولم تملك البنات الصغيرات إلا الجري والصراخ هربا من الثعبان وصاحبه. هذه الواقعة الصغيرة تكشف العقلية التي تحكم قادة إسرائيل ونخبتها السياسية، فهم لا يتورعون عن جذب الثعابين أو إلقاء القنابل والمتفجرات لقتل الأطفال والنساء دون ذنب كما يحدث في غزة، ويظنون أن هذه الأفعال الخسيسة، شجاعة وقوة.
روت والدة ديان، قالت: حين كان عمر موشي ديان تسعة أشهر، مرض مرضا شديدا، وبحاجة ماسة للعلاج، لكن في تلك الأيام من عام ١٩١٦ كانت فلسطين تحت حكم الأتراك، وعدد الأطباء كان محدودا جدا، وأقرب طبيب يوجد قرب مدينة يافا التي تبعد عنا مسافة 90 ميلا، وحملت موشي ديان في رحلة طويلة على عربة يجرها حصان، وأثناء الرحلة كان المرض يشتد، وموشي يبكي بصفة مستمرة، وعندما شاهدت في الطريق منزلا صغيرا أزرق اللون فوق إحدى التلال، أوقفت العربة بحثا عن إنسان يساعدني، لحظتها جاء صاحب المنزل، وهو فلاح عربي كان يحرس قطيعه من الماعز، وعلى الفور حلب واحدة من الماعز، وأعطى اللبن للطفل موشي لكي يشربه، وخلال لحظات توقف تماما عن البكاء، بينما ذهب الفلاح العربي إلى منزله في أعلى التل، ثم عاد حاملا معه زجاجة مليئة بلبن الماعز، ناولها لي متمنياً لطفلي الصحة.
هذه الواقعة تذكرنا بما رواه الأصمعي: أن أعرابية وجدت جرو ذئب وليدا، فحنت عليه وأخذته ورعته. وكانت تطعمه من حليب شاة عندها حتى كبر الذئب الصغير. وعادت الأعرابية إلى بيتها فوجدت الذئب أكل الشاة، فأنشدت تقول :
نقرت شويهتي وفجعت قلبي...
وأنت لشاتنا ولد ربيب
غذيت بدرها وربيت فينا..
فمن انباك أن أباك ذيب
اذا كان الطباع طباع سوء
فلا أدب يفيد ولا أديب.
فالطفل الذي أطعمه الرجل الفلسطيني متمنياً له الصحة كبر وانضم إلى عصابات الهاجاناه الصهيونية وقام بعمليات قتل وترويع للفلسطينيين. وسجنه البريطانيون بسبب أعماله الإرهابية ثم أطلقوا سراحه ليقاتل في صفوفهم ضمن الفيلق اليهودي للهاجاناه ضد حكومة فيشي الفرنسية على أرض لبنان، وخلال هذه الحرب أصيب بجروح وفقئت إحدى عينيه، فوضع العصابة الشهيرة عليها. هذا الفيلق اليهودي استغل الحرب العالمية الثانية في تقوية صفوفه استعدادا لمواجهة العرب، وبالفعل عقب انتهاء الانتداب البريطاني شارك بقوة في حرب ٤٨ ضد الجيوش العربية.
وموشي ديان المولود عام 1915 في أول مستعمرة يهودية في فلسطين ينتمي إلى أبوين هاجرا من روسيا القيصرية، حيث كانت فلسطين خاضعة للحكم التركي وعقب انتهاء الحرب العالمية الأولى تم إعلان الانتداب البريطاني عليها واستطاعت المنظمة الصهيونية الحصول على وعد بلفور المشؤوم عام 1917 بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين.
تدرج ديان في المناصب حتى وصل إلى رئاسة المخابرات العسكرية، ورئاسة أركان الجيش الإسرائيلي عام 1953 وقاد جيشه في حرب 1956 إبان العدوان الثلاثي على مصر، وحقق نجاحا حين كان وزيرا للدفاع في حرب 1967 لكن أسطورته تحطمت في حرب أكتوبر 1973. عاد من الجبهة منهارا يبكي، غير قادر على تحمل الهزيمة المذلة لجيشه الذي لا يقهر. وقدم استقالته، لكن جولدا مائير رئيسة الوزراء لم تقبل الاستقالة رغم أنها استبعدته من قيادة المعركة، فالمصريون اصطادوا ثعابينه في جحور سيناء العميقة.
مدير تحرير صحيفة الأهرام