العدد 5557
الإثنين 01 يناير 2024
banner
طريق الإنسان للهروب.. سخرية عابثة وضحك مرير
الإثنين 01 يناير 2024

تعجبني كتابات الثائرين في المسرح، ولغتهم العبقرية، وجلال الموضوع الذي يطرحونه وعمق التحليل، واختيارهم الذكي لما يقدم، والذي يعكس مأساة الإنسان في العصر الحديث.
شيئان لا يستطيع المرء أن يواجههما، الشمس والموت، “هكذا قال لاروشفوكو”، فحين ينظر إلى الشمس يرتدي نظارة سوداء، وحين يواجه الحياة والمصير المحتوم الذي ينتظره في نهاية الطريق يتوارى المرء وراء الضحك، فالإنسان يطرد دائما من ذهنه فكرة الموت، لكن في مسرحية الكاتب العظيم يوجين يونيسكو “الملك يخرج” يواجه المشاهدون الموت، ويبدو أن الموت بدوره يحدق فيهم بنظراته الباردة البيضاء، والإنسان لا يقبل الحديث عن الموت إلا في حدود ضيقة، كأن يحدث ذلك على المسرح، أو أن تكون المسألة تخص الآخرين، لكن ما من إنسان يفكر في لحظة موته هو بالذات.
ومسرحية “الملك يخرج” تدفع بكل المتفرجين وحتى القراء إلى التفكير في الموت، على أنه موت كل منهم.. وقد كتب أحد النقاد عنها: “لم أر من قبل كاتبا مسرحيا حدثنا عن الموت له سمة البساطة وطابع الإجلال أيضا.. ورغم ذلك فالفكاهة والضحك يتفجران من خلال الكثير من عبارات المسرحية ومواقفها، وقاعة المسرح تضج بمظاهر ابتهاج المتفرجين! فالضحك وسيلة الإنسان للهروب من الواقع المؤلم الذي يحيط به”.
لكن لماذا يستعمل يونيسكو أسلوب الضحك في مسرحياته؟
الضحك هنا يؤدي وظيفة التطهير الذي حدثنا عنه أرسطو، فمثلما كان المسرح الإغريقي يثير في نفوس المشاهدين الرعب والخوف ليخلصهم منهما، فإن يونيسكو يثير الضحك في نفوسنا ليخلصنا منه ومن مواقفنا “الهروبية” أمام الحياة، وأمام فكرة الموت. إن الضحك هو النظارة السوداء التي يضعها الإنسان على عينيه حين يواجه الموت.
هكذا هم الثائرون على المسرح.. تناقضات وغرائب وسخرية عابثة وضحك مرير وأسى.
* كاتب بحريني

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية