العدد 5534
السبت 09 ديسمبر 2023
banner
خرفان "بانورج"!
السبت 09 ديسمبر 2023

تُعبّر في حقيقتها عن الضعف العقلي وسط أجواء من الإذلال والنبوذ وانعدام القيمة وتهاوي الضلال، وتزالق الرّذيلة التي تنحدر بالنتاج الفكريّ وتُضّيع الهوية وتُفقد الاتزان وتُولّد الهزال وتُضعف الثقة وتهزّ الثوابت وتُضعضع القرار، حيث لا رأي مُستقل ولا مبادئ قائمة ولا قرار واضح ولا بيان ناظر ولا لسان ناطق ولا فعل نافع! فذلك هو الشخص "المعيّة" أو "الإمّعة" الخاضع للشخوص والمُستلَب للمكانة والفاقد للشخصية والصارخ مع الناعقين والمُنخرط بين المُزمّرين والمُنجرف مع التيار والمُنساق مع الأهواء والمُنقاد للأشقياء، فهو إمّا أن يكون قشّةٌ سهلة الكسر أو ريشة تتقاذفها الرياح، أو أن يكون حُرّاً طليقاً يختار ما يشاء ويرفض ما يشاء، ويقبل ما يريد ويمتنع عمّا لا يريد.
تعود بنا طبيعة هذه الشخصية إلى حادثة الشجار التي وقعت على متن السفينة البحرية بين الرجل الداهية "بانورج" والتاجر الجشع "دندونو"، والذي صمّم على إثرها الأول على الانتقام بشراء خروف من قطيع الثاني بأغلى الأثمان في مشهد غريب يجرّ فيه الخروف من قرنيه إلى طرف السفينة ثم يلقي به إلى البحر! فما كان من بقية خرفان القطيع إلا أنْ اصطفت في طابور مُهيب متبعةً خُطى الخروف الغريق وسط ذهول التاجر ومحاولاته البائسة، وهو يرى الخروف تلو الآخر يقفز إلى البحر غرقاً في انسياق أعمى يفتقد للوعي المُتيقظ ويسلب الإرادة الحرّة التي تقود إلى الهلاك المُحقّق، بسبب اتباعهم الغريزي للعدد الأكبر واندماجهم الجماعي بعيداً عن الروح الناقدة التي تبقى تُردّد الكلام أو تُقلدّ الأفعال أو تتّبع الآراء من أهل الأهواء وذوي النّحل.

نافلة:
ما يُطلق عليه مؤخراً بــ "إدارة المخاوف الشخصية"، يُشير إلى واحدة من الأمور المُهمة التي يغدو فيها الفرد أكثر استقلالية بعد أنْ يُسكت ناقده الداخلي ويتقبّل ذاته الباطنة ويُقلّل من رفض نفسه ويتدبّر أموره ويحلّ مشاكله ويُرتّب مهماته ويكسر مخاوفه ويُطوّر قدراته ويُصلح أعطاله النفسية ويُسجل إنجازاته ويُوثّق انتصاراته الحياتية التي تزيد من ثقته بنفسه وكأنها (بطاقة ذهبيّة) يُعيد فيها شحن قدراته ويُعزّز من خلالها مُنجزاته ويُحقّق عبرها طموحاته بإحكام السيطرة على المشاعر والعواطف ومواجهة الظروف والتداعيات التي تخلق له مساحات التعبير الكافية وتكشف عن مكنون قدراته في إحداث التغيير بعيداً عن تحجيم العقل بالتقليد أو الصندوق المغلق بالتبعية؛ وصولاً لمرحلة السيادة الشخصيّة الحُرّة.

كاتب وأكاديمي بحريني

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية