لا يوجد خطأ في العنوان ـ عزيزي القارئ ـ فالحديث هنا على المستوى الشعبي وليس الرسمي المعروف للكل بثبات واستمرارية الدعم الأميركي لإسرائيل، ومعروف أنه من الصعب أن تغير الدول سياساتها وقناعاتها الاستراتيجية التي تكونها عادة في مدى زمني طويل واستنادًا لمعطيات ومبادئ قوية تراها منسجمة مع أهدافها ومحققة لمصالحها، بينما المزاج الشعبي والوعي المجتمعي يتغير من فترة لأخرى، خصوصا مع وقوع أحداث جسيمة مناقضة ومعاكسة لما هو مترسخ في الأذهان والوجدان والعقول، فتدفع الناس ولاسيما الشباب منهم لطبيعته التواصلية والانفتاحية مع غيرهم وعدم تقيدهم بحدود دول، وأيضًا مع تراجع ـ أو إعادة النظر في ـ الدور الذي تلعبه الثوابت والقيم الدينية والمجتمعية لدى الكثيرين في عصرنا الراهن.
قد يتبادر للأذهان أن ما يتعرض له أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة جراء الحرب الإسرائيلية هو الذي أدى لهذا التعاطف الشعبي الأميركي مع الفلسطينيين، وأنه سيكون مؤقتا وطارئا مع الشعب الفلسطيني، وسينتهي مع انتهاء الحرب، إلا أن الواقع يشير إلى غير ذلك، وأن هذا التعاطف موجود ويتصاعد حتى قبل بدء هذه الحرب التي طالت ودمرت كل ما ينتسب لقطاع غزة من أرض وبشر ومؤسسات وبيوت ومستشفيات ومدارس وغيرها، ومنحت هذا التعاطف رخمًا ومبررًا موضوعيًا، وهو ما أبرزته سكاي نيوز العربية، مستشهدة بما كتبته مجلة "فورين بوليسي" الأميركية قبل أشهر قليلة من الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة بأن الدعم الشعبي لإسرائيل في الولايات المتحدة يتراجع على نحو متزايد، وبمجلة "نيوزيوك" التي أشارت إلى أن دعم فلسطين بين الأميركيين ارتفع إلى مستويات قياسية في السنوات الأخيرة، مع اعتبار الكثيرين منهم الاحتلال الإسرائيلي "تطهيرا عرقيا"، وأشارت إلى أنه مع اندلاع الحرب، غرقت منصات التواصل الاجتماعي في الولايات المتحدة بمقاطع فيديو لمظاهرات داعمة لفلسطين في حرم الجامعات ومراكز المدن، وتردد شعار "فلسطين حرة"، بل إن وكالة "رويترز"، ترى أن جيل الألفية أكثر تشككا إزاء السياسة الإسرائيلية نحو الفلسطينيين بما يفوق الأجيال الأكبر عمرًا.
في تفسيره لهذا التعاطف، يقول موقع prospect إن الأميركيين الذين تقل أعمارهم عن 35 عاما، لا يعرفون إسرائيل إلا تحت حكم اليمين المتطرف، المصمم على حصر الفلسطينيين في المناطق المحتلة في بقع جغرافية أصغر من أي وقت مضى، وإجبارهم على الرحيل إلى دول أخرى، وجعل حياتهم لا تطاق.
كاتب مصري