العدد 5512
الجمعة 17 نوفمبر 2023
banner
منح الفعالية لقوانين المنافسة (2/2)
الجمعة 17 نوفمبر 2023


لمنح الفعالية لقوانين المنافسة في البحرين، تطرقنا في مقال الأسبوع الماضي إلى النقطة الأولى، وأشرنا إلى عدم ترك شركات القطاع العام بدون قيود تنافسية وإلزامها بالعمل التجاري وفق ضوابط قوانين المنافسة، كما عليه الأمر بالنسبة لشركات القطاع الخاص لأن جميع هذه الشركات تعمل في مجال التجارة حيث المنافسة الشريفة.
النقطة الثانية، التي نتناولها في هذا المقال، تتعلق بسياسة اندماج بعض الشركات مع بعضها واندماج الشركات في حد ذاته يكون مفيدا جدا لأنه قد يمنح الشركة الجديدة المزيد من رأس المال والقوة والتجربة والدماء الجديدة مما يمكنها من تقديم الأعمال والخدمات بصورة أفضل للمستهلك وللجميع. ولكن من مكمن هذه القوة قد تأتي ممارسات تضر بالمنافسة التجارية الشريفة. فهل نسمح باندماج الشركات في كل الحالات ؟ .
بالتأكيد، من الاندماجات الكبيرة ومن خلق الكيانات الاقتصادية الضخمة هناك بعض المؤثرات السلبية التي قد تضر بالمنافسة الشريفة لأن المنافسة في أصلها ستنعدم تماما بين العملاق والقزم. وهذه طبيعة الحياة شئنا أم أبينا ، ولذا لا بد من إعادة مراجعة الفقرات الخاصة باندماج الشركات في قوانين المنافسة والعمل على تفصيلها بمهارة وبحيث لا يؤثر قيام الاندماج على المنافسة الاعتيادية الشريفة بين الشركات ويقود لخلق نوعا من الاحتكار الضار الذي تبغضه الشريعة الغراء وكل الممارسات التجارية السائدة.
ولهذا نلاحظ معارك قانونية حامية الوطيس خاصة بين أميركا من جهة وأوربا من الجهة الأخرى حيث امتنعت الجهات الرسمية في العديد من هذه الدول من الموافقة على بعض الاندماجات ، وهم يستندون في هذا على أن الاندماج سيخلق "بعبعا" كبيرا في السوق لا يستطيع آخر العمل معه ناهيك عن منافسته يدا بيد وقدما بقدم.
والحالات التي تم فيها رفض الاندماج كثيرة وتشمل شركات الطيران والبنوك وشركات الاستثمار والعقار والاتصالات... والقائمة تطول. وهنا تبرز أهمية دور الجهات الرقابية الإشرافية التي تضع نصب أعينها مصلحة المستهلك والتجارة الحرة قبل مصلحة الشركات الجشعة. ونقول، إن توجيه الاندماجات والتكتلات يحتاج إلى بوصلة مراقبة ذات مهنية نزيهة وفاعلة ، وعلينا وضع ضمانات في قوانين المنافسة بحيث تتم الموازنة بين مصلحة التجارة من جهة ومن الجهة الأخرى مصلحة الشركات التجارية وأصحابها من ذوي الجيوب الكبيرة التي لا تشبع ولا ترتوي مهما أكلت أو شربت.
وبالنسبة للعقوبات الواردة في قوانين المنافسة في المنطقة نلاحظ أن الغرامات ثابتة (استاتك) بالرغم من أن الضرر الذي يحدث ليس بالضرورة أن يكون ثابتا. ومن الأفضل أن تتماشى العقوبة مع الضرر الذي حدث فعليا بسبب عدم الالتزام بقوانين وأخلاقيات المنافسة مع ضرورة الأخذ في الاعتبار بحجم الشركة وحجم المبالغ والتعامل الذي قامت به مخالفة لقانون المنافسة ولوائحها... وهل يتم منح الغريم المتضرر أي جزء من الغرامة التي تم تحصيلها كتعويض له (لهم) ، ولو بصفة شكلية ، أم تذهب كل الغرامة للخزينة العامة ؟ وهل نركز على الغرامات المالية أو العقوبات الإدارية كتقديم الإنذارات أو سحب التراخيص ؟ ربما من الأفضل دراسة هذه النقطة مع الاستفادة من التجارب العالمية وهي متنوعة وثرة ، ولكل حالة لبوسها ...
من الممارسات الجميلة التي نلاحظها، أن بعض الشركات الكبيرة تقوم بوضع لائحة "كود" للممارسات القانونية الشريفة التي تلتزم بها الشركة كالتزام أخلاقي وقانوني ومجتمعي. وهذا تطور محمود يسعى لوضع البدائل المؤسسية للالتزام بالمنافسة الشريفة والنزاهة والأمانة في جميع الممارسات وفي كل الأوقات. ونتطلع إلى أن تحذو شركاتنا هذا الحذو وتقوم بإصدار مثل هذه اللوائح والاسترشاد بها في أعمالها، وقطعا في نهاية الأمر ستستفيد الشركات من هذه التوجهات النبيلة المتصاعدة في عالم التجارة والاستثمارات.
نرى أخذ هذه النقاط وغيرها ، من واقع التجارب الذاتية المعاشة ، في الاعتبار والنظر في كيفية الاستفادة منها أو تنقيحها من أجل منح المزيد من التفعيل والتفاعل لقوانين المنافسة التنافسية وذلك بغرض تطويرها لتحقيق النزاهة وتشجيع التجارة الحرة الشريفة ومنع الاحتكار والجشع وحماية الاستثمارات والمستهلك والمجتمع والاقتصاد الوطني والتجارة الدولية... 

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .