العدد 5503
الأربعاء 08 نوفمبر 2023
banner
أميركا الأخرى.. سلام لا حرب
الأربعاء 08 نوفمبر 2023

تبدو فكرة الحرب راسخة في النفس الأميركية، سيما أن الدولة – الامبراطورية أي الجمهورية الأميركية، قامت في الأصل على فكرة الحرب والقتال، فقد أباد الرجل الأبيض، الذي يطلق عليه "الواسب" أي الأبيض الأنجلوساكسوني، المهاجر من قارة أوروبا بدءا من منتصف القرن السادس عشر، زهاء 140 مليون هندي أحمر هم أهل هذه البلاد الأصليون.
في هذا الصدد تبدو فكرة الحرب بالنسبة لكل رئيس أميركي، فكرة أصيلة في ذهنه، بمعنى أن كل رئيس أميركي يسعى على الدوام من أجل تحقيق ذاته في ميدان ضرب النار، ويؤمن بضرورة أن تكون له حربه الخاصة التي يثبت فيها فحولته السياسية، وهو ما تجلى في القرن العشرين بنوع خاص، سيما أن واشنطن كانت السبب الرئيس لانتصار الحلفاء في مواجهة دول المحور بقيادة ألمانيا النازية في ذلك الوقت. يعن لنا أن نتساءل في ضوء أزمة غزة الأخيرة: "هل هناك شيء ما تغير في العقلية والنفسية الأميركيتين معا، وبات هناك رفض عميق لفكرة الحرب على الدوام، مع ظهور إرهاصات لمحبي السلم ورافضي الدم والنار والمرار؟ ليس سرا أنه منذ اليوم الأول للأزمة الأخيرة، وبعد هجمات السابع من أكتوبر من قبل جماعة حماس على مستوطنات غلاف غزة، أن الإدارة الأميركية للرئيس جو بادين، ناصرت إسرائيل بشكل جامع ومانع، واعتبرت أنه من حقها أن تدافع عن نفسها، في مواجهة ما تعرضت له، غير أنه وبعد مرور شهر تقريبا، يبدو المشهد مختلفا كثيرا جدا، إذ يميل إلى السلام، في مواجهة دعاة المضي في طريق العنف الفائق الحد. تبدو اليوم في الداخل الأميركي توجهات مختلفة، حكومية وشعبوية، رافضة لاستمرار العنف المبالغ فيه من قبل قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي تجاه أهالي غزة.
يتفهم الكثير من الأميركيين أن تقوم إسرائيل بملاحقة القيادات والمقاتلين الحمساويين، والانتقام منهم، غير أن ما لا يمكن تقبله هو قصف المستشفيات والكنائس والمساجد، بل قصف سيارات الإسعاف، واستخدام اسلحة محرمة دولية في الهجوم على المدنيين. الذين تابعوا الهجوم على مخيم جباليا في قطاع غزة، يعرفون أن قنبلة زنتها 900 كيلوغرام ألقيت فوق رؤوس المدنيين. 
يبدو جليا أن قطاعات عريضة من الأميركيين اليوم، باتوا رافضين وبكل قوة لتوجهات إدارة بايدن، الداعمة لإسرائيل على هذا النحو غير المقبول وغير الإنساني.
من قلب وزارة الخارجية الأميركية يظهر تيار دبلوماسي رافض وبقوة لسياسات الوزير انتوني بلينكن، سيما أنه أظهر وجها غير دبلوماسي في زياراته الأولى لإسرائيل، من خلال سطوة الوجه الديني على الجانب السياسي، الأمر الذي أعطى دفعا لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لتحويل القضية من صراع سياسي نسبي إلى مواجهة دوجمائية مفتوحة.
المثير إلى حد الدهشة أن قطاعا واسعا من يهود أميركا، بات رافضا بدوره لما تقوم به آلة الموت العسكرية الإسرائيلية، على العكس مما كان عليه المشهد سابقا من دعم إسرائيل في جميع الأحوال وبشكل مطلق.
من بين تلك الجماعات، مجموعة "جي ستريت" التي انشقت عن الإيباك وباتت تحمل رسالة مفادها أن العنف والدماء هما من يهددان إسرائيل، وأن غياب العدالة سيبقي الصراع مفتوحا إلى أجل غير مسمى. 
ظهرت في الأفق جماعة جديدة، "يهود من أجل السلام"، وبجانبهم خرجت مجموعات من يهود نيويورك لرفض العنف والحرب. 
في الداخل الأميركي نجد اليوم مجموعات من خلفيات مختلفة، أكاديمية في الجامعات، وإعلامية في الصحف والمحطات التلفزيونية الشهيرة، وعبر وسائط الاتصالات الحديثة، وصولا إلى هوليوود وفنانيها، وجميعهم يقطعون بأن الحرب لا تفيد وأن الشجاعة الأدبية والمواقف الأخلاقية تحتم عليهم رفض ما يجري.
هذه المواقف مرشحة لمزيد من الغيجابية في قادم الأيام، عل إدارة بايدن تضغط على نتنياهو لهدنة تقود إلى وقف إطلاق النار. 

كاتب مصري متخصص في الشؤون الدولية

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية