يوفر التوسع الحضري المستدام طريقًا لإنشاء مدن قادرة على الصمود والتخفيف من تداعيات تغير المناخ أو التكيف معه لتحسين نوعية الحياة لسكانها، فالتخطيط الحضري المبتكر، والاستثمار في البنية التحتية الخضراء، والمشاركة المجتمعية، يمكن للمدن أن تصبح منارات أمل في مكافحة تغير المناخ.
وخلال دوري كرئيس لاتحاد التحضر المستدام في نيويورك، والذي يهدف إلى مكافحة التغيرات المناخية واختيار الوسائل والآليات الملائمة للحفاظ على نقاء الهواء من أجل تقديم مناطق حضرية أكثر أمانا وصحة لسكان العالم، كرست عقودا من الزمن لمناصرة التنمية الحضرية المستدامة.
فتغير المناخ يعد أحد التحديات الأكثر إلحاحا في عصرنا الحالي، بما له من آثار بعيدة المدى على الكوكب وسكانه، وفي قلب هذه الأزمة العالمية يكمن التأثير الذي لا يمكن إنكاره للتوسع الحضري. فمع استمرار نمو سكان العالم، يعيش غالبية الناس الآن في المدن، ولهذا الاتجاه نحو التحضر آثار كبيرة على تغير المناخ، كون المدن هي المساهم الرئيسي في انبعاثات غازات الدفيئة.
ومع ذلك، تتمتع المدن أيضًا بالقدرة على أن تكون مراكز للاستدامة والابتكار، وعلى تقديم الحلول المناسبة للتخفيف من تغير المناخ والتكيف معه، إذ أنه وبحلول عام 2050، من المتوقع أن يتواجد 68% من السكان في المناطق الحضرية، حيث يؤدي التحضر السريع إلى توسع المدن على حساب الموائل الطبيعية، مما يؤدي إلى إزالة الغابات، وفقدان التنوع البيولوجي، وزيادة انبعاثات الغازات الدفيئة، فضلا عن أن تشييد وتشغيل المباني وأنظمة النقل والمرافق الصناعية في المدن تلوث أجواءنا بانبعاثات الكربون.
أقول هذا لأن المدن معرضة بشدة لآثاره حيث يشكل ارتفاع درجات الحرارة، وموجات الحر الأكثر تواترا وشدة، وزيادة الفيضانات، وغيرها من الظواهر الجوية المتطرفة تهديدات كبيرة لسكان المناطق الحضرية سيما المجتمعات الضعيفة، التي تتركز في كثير من الأحيان في المناطق الحضرية، حيث نرى أن الأحياء ذات الدخل المنخفض تفتقر إلى المساحات الخضراء أو البنية التحتية الكافية للتعامل مع الظواهر الجوية القاسية، مما يجعل السكان عرضة للمخاطر الصحية.
ولكي نضع النقاط على الحروف فإن التحضر المستدام يهدف إلى إنشاء مدن قابلة للحياة اقتصاديًا واجتماعيًا وبيئيًا، من خلال تشجيع استخدام الأراضي بشكل أكثر كثافة وكفاءة والتحول إلى مصادر الطاقة المتجددة والاستثمار في وسائل النقل العام، والبنية التحتية لركوب الدراجات، والتصميمات الحضرية الصديقة للمشاة، إضافة إلى البنية التحتية الخضراء، والحد من النفايات وإعادة تدويرها وإيجاد كودات بناء قادرة على الصمود في وجه تغير المناخ.
وبينما نسعى جاهدين لتحقيق الهدف الطموح المتمثل في تحقيق صافي انبعاثات صفرية، فمن الضروري أن نظل ثابتين في التزامنا بقيادة التغيير الحقيقي. بناءً على المبادرات التأسيسية لأهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة، والتي عززها الزخم الناتج عن اتفاق باريس والاجتماعات السنوية لأعضاء المؤتمر، حيث أتيح لنا فرصة تاريخية لصياغة بيئات مستدامة لا تفيد جيلنا الحالي فحسب، بل تضع الأساس أيضًا من أجل مستقبل واعد.
إنني على قناعة راسخة بأن الرقابة والتنظيم الحكومي الفعال قد يكون حافزاً قويا لتعزيز التوسع الحضري المستدام، وتهيئة الظروف اللازمة لأصحاب المصلحة المحليين للشروع في مشاريع مبتكرة وتعاونية، وبالتالي الاضطلاع بأدوار محورية في السعي لتحقيق الاستدامة ومواجهة التحديات المتشابكة المتمثلة في تغير المناخ والتوسع الحضري السريع بما يعني أن التنمية الحضرية المستدامة أصبحت أمرا حتميا.
ختاما، يمثل تغير المناخ والتوسع الحضري المستدام تحديين متشابكين يتطلبان اتخاذ إجراءات فورية ومنسقة، ومع استمرار التحضر في تشكيل العالم، يجب أن تصبح المدن طليعة الحلول المناخية بدلا من أن تكون مصادر للتدهور البيئي.