العدد 5484
الجمعة 20 أكتوبر 2023
banner
"بي بي سي" والموضوعية
الجمعة 20 أكتوبر 2023

عندما كنت أتصفح موقع "بي بي سي" لفت انتباهي ذلك القدر الكبير من التوازن والحيادية في التغطية الإخبارية لأحداث غزة والحرص الشديد في انتقاء العناوين وإطلاق التوصيفات، إلى أن وقعت عيناي على مقال لمحرر الشؤون الدولية بالموقع جون سيمبسون الذي أزال عني الدهشة بإجابته المستفيضة عن أسباب عدم وصف مسلحي حماس الذين هاجموا إسرائيل بالإرهابيين، موضحًا في هذا السياق أنه ليس من مهمتهم في البي بي سي أن يقولوا للناس من يجب أن يدعموا ومن يجب أن يدينوا، ومن هم الأخيار ومن هم الأشرار، ورغم أنها تنقل عن الذين يدينون حماس وصفهم لها كمنظمة إرهابية، إلا أن البي بي سي لا تقول ذلك بصوتها هي، بل تكتفي بدور الناقل والمقدم للحقائق والأخبار وتترك الخيار للقارئ والجمهور للحكم واتخاذ ما يراه من توصيفات تتفق مع مبادئه ومنطلقاته.

ويذكر سيمبسون أنه يقوم بتغطية أحداث الشرق الأوسط على امتداد خمسين عامًا، وكان شاهد عيان على هجمات لمثل تلك التي قامت بها حماس مؤخرًا ضد إسرائيل، وشاهد "فظائع" إنسانية ناتجة عن هجمات بالقنابل والمدفعية الإسرائيلية في لبنان وغزة، مستعرضًا أحداثا ووقائع تاريخية بعيدة وبعضها يمس الداخل البريطاني لكنها لم تجعل البي بي سي تحيد أو تتخلى عن موضوعيتها. 

وقال سيمبسون بوضوح: "نحن لا ننحاز إلى أي طرف، نحن لا نستخدم كلمات مبطنة مثل "الشر" أو "الجبان"، نحن لا نصف أية مجموعة بالـ "الإرهابيين"، ونحن لسنا الوحيدين الذين يتبعون هذا الخط، لدى بعض المؤسسات الإخبارية نفس السياسة تماماً.

ولم يدع سيمبسون المثالية أو الكمال في التزام الموضوعية،إنما أكد أنهم يحاولون الحفاظ على هذه الموضوعية قدر الإمكان وأن هذا هو سبب ثقة وإقبال الناس في بريطانيا وفي جميع أنحاء العالم على البي بي سي. 

هو درس مهم للإعلامي أن يكون واعيًا ومدققًا فيما يعرض عليه وينقله من أخبار ومحتوى بألا ينساق أو ينجرف ويتبنى التوصيفات التي يطلقها الآخرون، بل يضع ستارًا وفاصلاً بين ما يتردد على ألسنة البعض وبين ما يقوله هو أو المؤسسة الإعلامية التي يعمل بها إلا إذا كانت تتبنى نفس الموقف.

كاتب مصري

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية