العدد 5457
السبت 23 سبتمبر 2023
banner
حفلات تخرج خارج النص
السبت 23 سبتمبر 2023

لم تكن مناسبات علمية لتخريج طلبة أو طالبات، لكنها حفلات صاخبة أشبه بليالي المهرجانات، تلك التي تدور رحاها في الأندية والمدارس وقاعات الاحتفالات الكبرى بالحدائق والمتنزهات. ظاهرة أشبه بدروس "السناتر" التي يقودها عازف أوركيسترا سيمفوني وليس أستاذًا للعلوم أو الرياضيات أو اللغة العربية أو حتى التربية الإسلامية السمحاء.
مناسبات فقدت جلال رونقها، وتقاليد منتسبيها، وأعراف أصحابها، لم تعد أيامًا علمية نقتدي بها، ولا احتفاليات بخريجين على أهبة الاستعداد للخروج إلى الحياة العملية بعد سنوات من عناء الدراسة والتحصيل وسهر الليالي.
ذات مساء أو ذات نهار أفاق الناس على احتفالية "بالطبل والمزمار والرقص"، ظن البعض أنه عرس أو عيد ميلاد أو مناسبة اجتماعية بعينها، وعندما سألنا اكتشفنا الحقيقة المرة، إنه حفل تخريج دفعة جديدة من طلبة وطالبات إحدى المدارس في المحافظة، إنها مناسبة علمية بأثواب مهرجانات الأحياء الشعبية، ويوم جليل على شاكلة تلك الأيام التي يتم فيها توزيع كل ما لذ وطاب على "المعازيم" وعابري السبيل، إنها احتفاء بمتفوقيها حتى ينسون تفوقهم، وابتهاج بخريجينا حتى يتباهون بليلة صاخبة وليس بيوم التخرج، يوم لا ينسى لكن على طريقة الأفراح والليالي المِلاح، وليس على طريقة المنابر العلمية المعتبرة، لا كلمات توقير للهيئة التعليمية، ولا رسائل شكر لأولياء الأمور على ما بذلوه من جهود في سبيل أن يجتاز أبناؤهم مرحلة تعليمية بعينها، ولا توجيه من معلم فاضل أو مدير مدرسة عليم للأجيال الطالعة حتى يدركوا أن كل ما مروا به شيء وما سيواجهونه في المستقبل القريب شيء آخر. هكذا أصبحت حفلات التخرج في بلادنا، وهكذا انحرفت عن مساراتها الطبيعية، وطبيعتها المقدسة.
إن التعليم، سواء بداية أو نهاية مراحله، طريق لتنمية الوعي الأخلاقي للمجتمعات، والاحتفاء بانتهاء مرحلة دراسية لا يعني الخروج عن المألوف أو الخروج عن النصوص، أو الخروج عن الأعراف والتقاليد.
مشكلتنا أننا نخلط الحابل بالنابل، الغث بالسمين، تصورنا أن أية احتفالية لابد وأن يكون التهريج فيها سيد جميع المواقف، وأن أية مناسبة سعيدة تعني خلع حجاب التحفظ، والتنازل عن تقاليد المجتمع.
لكل ذي مقام مقال، هكذا تعلمنا من آبائنا وأجدادنا، ولكل ذي حق حقه، هكذا قال لنا معلمونا الأوائل، ولكل مجتهد نصيب، هكذا أكدوا علينا ونحن في مقتبل مراحلنا الدراسية مشددين: اطلبوا العلم ولو في الصين.
لم يقولوا لنا اهجروا تعاليمكم، غادروا عاداتكم، اخلطوا بين الشيء ونقيضه، وأضيفوا الزيت إلى الماء، والرياح إلى النار التي ترعى تحت الرماد.
إن هذا النوع من الاحتفاليات سيئة السمعة سيُصيب المجتمع بالتغاضي والتساهل والتنازل عن قيم توارثناها، وعن عادات تبادلناها، وعن ثوابت آمنا بها، لكن ماذا نقول، وليس كل ما يُعرف يُقال.

كاتبة مصرية

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية