العدد 5450
السبت 16 سبتمبر 2023
banner
المنافس الأكبر
السبت 16 سبتمبر 2023

يبدو أن الدراما التركية أصبحت المنافس الأكبر للدراما العربية، الدراما التركية انغمست في قضايا المجتمع، غرقت في مشاعره، واحتضنت قصصه وحكاياته ورومانسياته، أعادتنا إلى وراء الوراء، وإلى أيامنا الخوالي، أيام ما كان "هارب من الأيام" يجمع الناس حول شاشة "الأبيض والأسود"، وأيام ما كانت "الضحية" الأمل لكل مقبل على الحياة ولكل متابع للمسلسلات، ثم وأيام ما أصبح "رأفت الهجان" و"ليالي الحلمية" و"النوة" و"أبو العلا البشري" و"العائلة" وغيرها من أيقونات الدراما المصرية قبل أن تطلق سوريا دراماتيكياتها المبهرة في التسعينيات وبداية الألفية من هذا القرن. سيطرت نهاية "رجل شجاع" لأيمن زيدان على شباك التذاكر وعلى مقاعد المتفرجين عندما "يأتي المساء" أو حين يحل الليل بشموعه البيضاء، ثم باب الحارة، ذلك المسلسل الذي خطف قلوب المشاهدات طوال سلاسله الذهبية ومعاركه الحامية وأحداثه الدامية.

ومنذ ذلك الحين ومع مطلع الألفية بدأت الدراما التركية في التعبير عن نفسها بقوة، والكشف عن أبطالها بكل تجلٍ ووضوح وإبداع، وأصبح "سنوات الضياع"، و"على مر الزمان" و"نبضات قلب" وغيره من المسلسلات التركية واجهة سياحية تفرض لوح الطبيعة الخلابة لكل مقبل على الشعر، وكل باحث عن الاسترخاء والاستجمام.

في الآونة الأخيرة وبدلاً من أن ندخل حلبة السباق بمسلسلات تحمل تاريخنا وجغرافيتنا، ثقافتنا وحضارتنا، تجاربنا وخبراتنا في صناعة السينما ومحتواها، في عرض الدراما ومسلسلاتها، في التعبير عن منطقتنا "العظمى" وعن شعبها العريق، شاهدنا العنف في أسوأ صوره، والتدريب على الجريمة وهي تحبو بين مشاهد الدراما المصرية، تمامًا مثلما شاهدنا المتلقي وهو يهرب من أمام التلفاز ويبحث له عن مسلسل تركي أو مكسيكي أو حتى كوري أو هندي ليشبع رغبته في الاطلاع على بلدان أخرى، وعلى شعوب أخرى، وعلى عادات وتقاليد وثقافات أخرى. احتفت الدراما المصرية تحت وابل "الحوار بالسكاكين" والتراشق بالأسلحة النارية والألفاظ النابية، وتحولت الحارة المصرية بل والسورية من ساحات لفض الاشتباكات وإنهاء الخلافات والمعاملات التجارية والتقارب بين الناس، إلى أرض للمعارك والثأر وتصفية الحسابات. يحدث ذلك ونحن أمام أرض ضائعة لدراما حقيقية، لمسلسلات تحكي عن مشاكل شبابنا، عن قضايا مفكرينا ومثقفينا، أين "زينب والعرش"، وأين الكثير ممن حمل مشعل الصحافي ليلقي به في وجه العتمة لينير الطريق أمامها، وأين شخصيات "الساقية" وهي تلف وتدور حول الحقيقة لكنها لا تضيعها، وأين أبطال القاهرة والناس وهم يتداولون مستقبلهم على طاولة الغداء ظهر كل يوم بعد العودة من العمل أو الجامعة أو المدرسة، أين وأين وأين وأسئلة أخرى كثيرة بدأت "المتحدة للخدمات الإعلامية" البحث فيها، والتفتيش عنها من أجل قيادة عصر جديد للدراما التلفزيونية وإطلاق أفق لا تخطئه عين، سوف يأتي إلينا بإذن الله تعالى بكل ما هو جديد وكل ما هو بصير وكل ما هو ينشط سياحتنا الواعدة، وفكرنا المتقد، وأحوالنا المترددة.

كاتبة مصرية

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .