العدد 5436
السبت 02 سبتمبر 2023
banner
دراما العنف (1)
السبت 02 سبتمبر 2023

كأنها مخلوقات غريبة تلك التي خرجت من شقوق الحواري، وتبارزت بالسيوف والسكاكين ومختلف الأسلحة البيضاء، وربما بالكلاشينكوف غير منتهي الصلاحية، وكأننا مخلوقات خرساء من شدة الدهشة وهول الصدمة، وسيطرة دراما العنف على صناعة القوة الناعمة. ظاهرة تسللت إلى مسلسلاتنا، إلى السينما "غير المتحركة"، وحتى إلى ما تخفيه "نتفلكس" وغيرها، من المنصات المخترقة لحدودنا، دراما تبحث عن "الترند"، وممثلون يقتاتون أرزاقهم من ولع الحشود على الفضائيات، والجيوش الإلكترونية في ساحات الومضات السريعة واللقطات المريعة وتلك التي لا تعبر إلا عن فئة قليلة تحاول حتى اللحظة إلحاق أكبر ضرر بفئة كثيرة.
دراما العنف باتت تمثل إزعاجًا لكل من يحاول البحث عن أي شيء كي ينهي به يوما طويلا من القلق والمعاناة والعمل المضني في كل مكان، ما إن تفتح التلفاز حتى تصرخ الشاشة العملاقة في وجهك، فهناك معركة في حارة، وهناك ثأر في قرية يحاول أصحابه استرداد حقوقهم المعنوية والمادية من "مغتصب غاشم"، وهناك بعض الشباب الموتور والمدمن الذي يمارس كل الموبقات على الهواء مباشرة وكأن بلادنا لا تفرز إلا هذه الفئة الضالة في المجتمع المتحول باستمرار. قيمنا الأخلاقية أصبحت على المحك، ودموع قوتنا الناعمة أصبحت لا تخفى على أحد، فجميعنا يلفظ هذه الدراما الدخيلة، وجميعنا تزعجه بل وتؤلمه تلك المشاهد التي لا تعبر لا من قريب ولا من بعيد عن قيمنا وتراثنا وأخلاقنا التي توارثناها أبًا عن جد.
ما هذا الذي يجري في عروق الدراما العربية يا جماعة الخير، وما هي تلك المشاهد الخارجة عن القانون التي تظهر شبابنا وكأنهم عصابات إجرامية لا ترتكب سوى الشجار والقتل وسفك الدماء؟ وما هذه النساء التي تهين المرأة العربية وتظهرها على الشاشات وكأنها حقيقة دامغة، وكأننا أمة بلا دين، ومجتمع بلا أخلاق، وسيدات من دون "سيادة". إن المرأة العربية وطوال تاريخها الطويل شاركت الرجل سراءه وضراءه، ساندته في الحضور والغياب، عند السفر وبعد العودة، وقامت بجميع الأدوار التي طرحت لنا "خير أمة أُخرجت للناس".
واليوم نرى في دراما العنف الصعبة المرأة وقد تم تسليعها، والشباب وقد تم تجريف أدوارهم، والمثقفين وقد اختفوا من الساحة تمامًا ولم يقوموا بدور يُذكر من أجل أن يعيدوا إلينا زمن الماضي الجميل، الدراما الأصيلة التي توجه المجتمع، والصناعة الرصينة التي تبني الأمة وتصون عرضها، والفن الحقيقي الذي يعبر عن الشارع العربي بكل عاداته وتقاليده وآماله وآلامه ومراميه.
"المتحدة للخدمات الإعلامية" في مصر، تحاول عكس هذا الاتجاه، اتجاه التجريف والتحريف لقيمنا الإنسانية النبيلة، لأيامنا وأحلامنا الجميلة، وللحديث بقية.

كاتبة مصرية
 

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية