العدد 5454
الأربعاء 20 سبتمبر 2023
banner
المتحف المصري الكبير
الأربعاء 20 سبتمبر 2023

على قدم وساق، تمضي مصر المحروسة في استعداداتها لافتتاح متحفها الكبير، والذي سيعد حدثا عالميا باقتدار. الفكرة وراء المتحف مثيرة للجدل، ذلك أنها تتجاوز منظومة عرض الآثار والمومياوات والتوابيت، إلى آخر حلقات المصري القديم، وتصل إلى جزئية مهمة، وهي إثبات أن المصري القديم هو صانع هذه الحضارة، وأن التدرج في الروح المصرية يبدأ من عند هرم زوسر المدرج في سقارة بالجيزة، ويصل إلى أهرام خوفو وخفرع ومنقرع، وأن فنون التحنيط المصري التي لم يعرف سرها حتى الساعة، هي من بنات أفكار المصري القديم، كما أن تلك السردية غير المسبوقة تاريخيا ليست من صنع الفضائيين كما يحاول بعض المتآمرين سرقة عمل يد المصريين، من أضابير التاريخ.
يبدو للناظر من بعيد أنه أمام صرح هائل، وهو كذلك بالفعل، ومن دون أدنى شوفينية سيدخل المتحف المصري الكبير التاريخ كأكبر حدث ثقافي في القرن الحادي والعشرين من غير تهوين أو تهويل. الزائر للمتحف المصري يجد أن المساحة المخصصة لعرض الآثار تصل إلى 45 ألف متر مربع، وهي مساحة هائلة في كل الأحوال، ومن هنا يحق للقارئ أن يتساءل وماذا عن بقية الأرض الشاسعة المقام عليها هذا المشروع، والذي يعتبر لبنة جديدة تبعث مصر من خلالها رسالة حضارية كبرى لشعوب الأرض، مبرزة حضارتها العظيمة الملهمة لكل الحضارات؟
الواقع أن المساحة المتبقية تشمل بقية المكونات الثقافية والحضارية لهذا المشروع العملاق، فهناك مكتبة متخصصة في علم المصريات، ومركز للمؤتمرات، ومراكز أبحاث، ومعامل للترميم، وسينما ثلاثية الأبعاد، وأماكن مخصصة لخدمة الزائرين مثل المطاعم، ومحال بيع التماثيل المستنسخة والهدايا، ومواقف انتظار السيارات. ولأن المتحف مقام أمام الأهرام، فقد كان ولابد أن يأتي التصميم متسقا مع الأجواء التاريخية العميقة للمنطقة ومع هيكل الهرم نفسه، لهذا تم تصميم الواجهة على شكل مثلثات كبرى تنقسم إلى مثلثات أصغر في إطار رمزي للأهرام، وللأمر علاقة وثيقة أيضا بفكرة التقسيم اللانهائي لشكل المثلث. 
تصعب الإحاطة بكل ما في داخل المتحف المصري الكبير في المسطح المتاح للكتابة، غير أنه باختصار غير مخل، يمكن الإشارة إلى أن القطع الأثرية الكبرى مثل تمثال رمسيس الثاني، والذي كان يتوسط ميدان باب الحديد وسط القاهرة، ستعرض على طول درج المتحف الكبير، وأمام المدخل الرئيسي، بالإضافة إلى 87 قطعة ضخمة تمثل ملوك مصر العظام عبر التاريخ.
أما لؤلؤة التاج في هذا المتحف فتتمثل في مجموعة الفرعون الصغير توت عنخ آمون، والذي يرتبط افتتاح المتحف الكبير بإعلان الأثري المصري المعروف الدكتور زاهي حواس عن إماطة اللثام عن سر وفاة هذا الفرعون، وهل راح ضحية مؤامرة من كهنة آتون، بهدف القضاء على عبادة الآتونية نسبة إلى أخناتون، أم قضى نتيجة وقوعه من على مركبة حربية كما يروج بين بعض الأثريين.
فرادة فكرة المتحف المصري الكبير أيضا تتجلى في الممشى والممر المذهل الذي سيجد السائح نفسه سائرا عليه، من عند سفح أهرام خوفو، وصولا إلى بهو المتحف عينه، عبر مسافة تصل إلى ميلين تقريبا، ما يضفي أجواء أسطورية على المكان لا سيما في الليل، وفي ظل برامج الصوت والضوء التي تدخل الزائر في أحلام مخملية فرعونية وتعزله عن العالم المعاصر، وهو أمر يختلف كثيرا عن الوضع الحالي للسائح الذي يزور المتحف المصري في قلب القاهرة، ثم ينتقل عبر الزحام إلى الأهرام ما يفقد الجولة رونقها الخاص.
ومن الآثار المثيرة التي سيشاهدها الزائرون، مراكب الشمس التي اكتشفها الأثري الكبير كمال الملاخ، تلك التي تم ترميمها مؤخرا، وتميزها يجيء من كونها تكشف عن إيمان المصريين القدماء بالبعث والخلود، وقد اعتبروا هذه مراكب للسفر إلى العالم الآخر.
أهلا بكم في جولة عبر الزمان والمكان في مصر المحروسة.

كاتب مصري خبير في الشؤون الدولية


 

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية